responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 9  صفحه : 117
وَالتَّجَارِبُ فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَأَنْ يَنْبِذُوا جَمِيعَ الْأَسْبَابِ وَالْكُتُبِ الَّتِي كَانَتْ مَثَارَ الْخِلَافِ وَالتَّفَرُّقِ، وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَلَا يَجْعَلُوا قَوْلَ عَالِمٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَلَا فَهْمِهِ سَبَبًا لِلتَّعَدِّي وَالتَّفَرُّقِ بَيْنَهُمْ بَلْ يَعُدُّوا كُلَّ مَا لَيْسَ قَطْعِيًّا مِنْ كِتَابِ رَبِّهِمْ وَسُنَّةِ رَسُولِهِمْ، وَاجْتِمَاعِ سَلَفِهِمْ مِنَ الِاجْتِهَادِ الَّذِي يُعْذَرُ بِهِ مَنْ قَامَ دَلِيلُهُ عِنْدَهُ وَمَنْ وَثِقَ بِهِ، وَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ فَصَّلْنَا الْقَوْلَ فِي هَذَا فِي مَجَلَّتِنَا (الْمَنَارِ) مِرَارًا. فَبِهَذَا يَزُولُ ضَرَرُ اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَيَتَرَاجَعُ الْجَمِيعُ إِلَى وَحْدَةِ الدِّينِ وَأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ، فَيَنَالُوا مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا ثُمَّ الْآخِرَةِ مَا شَرَّعَ اللهُ لَهُمُ الدِّينَ لِأَجْلِهِ.
بَعْدَ هَذَا التَّمْهِيدِ نَقُولُ: إِنْ مَسْأَلَةَ الْكَلَامِ الْإِلَهِيِّ كَمَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ فِيمَا اخْتُلِفَ فِيهِ
مِنْ تَأْوِيلٍ وَتَفْوِيضٍ، اجْتِنَابًا مِنْ قَوْمٍ لِلتَّعْطِيلِ، وَمِنْ آخَرِينَ لِلتَّشْبِيهِ، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إِثْبَاتَ الْكَلَامِ وَالتَّكْلِيمِ لِلَّهِ - تَعَالَى - صَرِيحٌ فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ فِي آيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهَا، وَأَمَّا رُؤْيَةُ الرَّبِّ - تَعَالَى - فَرُبَّمَا قِيلَ بَادِيَ الرَّأْيِ إِنَّ آيَاتِ النَّفْيِ فِيهَا أَصْرَحُ مِنْ آيَاتِ الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: لَنْ تَرَانِي وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ (6: 103) فَهُمَا أَصْرَحُ دَلَالَةً عَلَى النَّفْيِ مِنْ دَلَالَةِ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (75: 22، 23) عَلَى الْإِثْبَاتِ، فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ النَّظَرِ بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ، كَقَوْلِهِ: مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً (36: 49) وَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ (7: 53) وَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةِ (2: 210) وَثَبَتَ أَنَّهُ اسْتُعْمِلَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُتَعَدِّيًا بِـ " إِلَى " وَلِذَلِكَ جَعَلَ بَعْضُهُمْ وَجْهَ الدَّلَالَةِ فِيهِ عَلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ - وَهُوَ تَوْجِيهُ الْبَاصِرَةُ إِلَى مَا تُرَادُ رُؤْيَتُهُ - أَنَّهُ أَسْنَدَ إِلَى الْوُجُوهِ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُصَحِّحُ إِسْنَادُ النَّظَرِ إِلَيْهَا إِلَّا الْعُيُونَ الْبَصَّارَةَ، وَهُوَ فِي الدِّقَّةِ كَمَا تَرَى، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ فِي فَهْمِهَا الْعُلَمَاءُ قَبْلَ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ، فَقَدْ رَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ تَفْسِيرَ (نَاظِرَةٌ) بِقَوْلِهِ: تَنْتَظِرُ الثَّوَابَ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنَ حَجَرٍ: سَنَدُهُ إِلَى مُجَاهِدٍ صَحِيحٌ، وَالْجُمْهُورُ يَرَوْنَ فَهْمَ مُجَاهِدٍ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ وَالْخَوَارِجَ وَالشِّيعَةَ يَرَوْنَهُ صَحِيحًا، أَوْ لَيْسَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ بِحَيْثُ يُعَدُّ حُجَّةً عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، وَيَمْتَنِعُ جَعْلُ تَأْوِيلِهِ عُذْرًا لِلْمُخَالِفِينَ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْذُرُ أَصْحَابَهُ فِي اخْتِلَافِ فَهْمِهِمْ لِلنُّصُوصِ، وَيُقِرُّهُمْ عَلَى مَا كَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ وَجْهٌ وَجِيهٌ، كَأَخْذِ الْآخَرِينَ بِفَحْوَاهُ وَهُوَ عَدَمُ التَّخَلُّفِ، فَصَلَّى هَؤُلَاءِ فِي الطَّرِيقِ، وَأَدْرَكُوا مَعَهُ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي الْمَوْعِدِ، وَلَمْ يُصَلِّ أُولَئِكَ الْعَصْرَ إِلَّا فِيهَا، وَكَمَا فَهِمَ بَعْضُهُمْ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ مِنْ آيَةِ الْبَقَرَةِ الَّتِي رَجَّحَتْ إِثْمَهُمَا عَلَى مَنَافِعِهِمَا فَتَرَكُوهُمَا، وَلَمْ يَتْرُكْهُمَا مَنْ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ النَّصِّ الْقَطْعِيِّ بِاجْتِنَابِهِمَا.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 9  صفحه : 117
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست