responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 96
وَقَدْ جَزَمَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالظُّلْمِ هُنَا الشِّرْكُ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِمَا صَحَّ مَرْفُوعًا مِنْ تَفْسِيرِهِ بِهِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) (6: 82) الْآيَةَ. وَاسْتِشْهَادُ الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ لُقْمَانَ الَّذِي حَكَاهُ اللهُ عَنْهُ: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (31: 13) وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ تِلْكَ الْآيَةِ أَنَّ الظُّلْمَ إِنَّمَا صَحَّ تَفْسِيرُهُ فِيهَا بِالشِّرْكِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الظُّلْمِ - وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ - لِأَنَّهُ وَارِدٌ فِي الظُّلْمِ الَّذِي يُلْبَسُ بِهِ الْإِيمَانُ فَصَحَّ فِيهِ الْعُمُومُ الْمُقَيَّدُ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ ; لِأَنَّ قَلِيلَ الشِّرْكِ يُفْسِدُ الْإِيمَانَ كَكَثِيرِهِ. وَأَمَّا الظُّلْمُ فِي الْآيَةِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا الْآنَ وَفِي آيَةِ هُودٍ الْمُمَاثِلَةِ لَهَا فَقَدْ وَرَدَ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فِي مَقَامِ بَيَانِ سَبَبِ إِهْلَاكِ الْقُرَى، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعُمُومُ فِيهِ مُطْلَقًا لِمَا ثَبَتَ فِي الْآيَاتِ الْأُخْرَى الْمُؤَيَّدَةِ بِوَقَائِعِ التَّارِيخِ مِنْ هَلَاكِ الْأُمَمِ بِالظُّلْمِ فِي الْأَعْمَالِ وَالْأَحْكَامِ، وَبَقَائِهَا زَمَنًا طَوِيلًا مَعَ الشِّرْكِ إِذَا كَانَتْ مُصْلِحَةً فِيهِمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ آيَةِ هُودٍ. وَلِلَّهِ دَرُّ الْحَافِظِ ابْنِ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ نَقَلَ عِبَارَةَ الْإِمَامِ ابْنِ جَرِيرٍ بِالْمَعْنَى فَقَالَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: بِالشِّرْكِ وَنَحْوِهِ، أَيْ وَمَا يُشْبِهُهُ مِنَ الظُّلْمِ فِي الْأَعْمَالِ وَالْأَحْكَامِ، فَأَشَارَ إِلَى الْعُمُومِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ جَرِيرٍ: بِشِرْكِ مَنْ أَشْرَكَ وَكُفْرِ مَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِهَا كَمَا قَالَ لُقْمَانُ: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ، وَهِيَ تُنَافِي صِيغَةَ الْعُمُومِ وَسُبْحَانَ مَنْ لَا يُخْطِئُ وَلَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ.
هَذَا وَإِنَّنَا قَدْ فَصَّلْنَا مِنْ قَبْلُ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا بِالْإِجْمَالِ مِنْ أَنَّ عِقَابَ اللهِ تَعَالَى لِلْأُمَمِ وَكَذَا لِلْأَفْرَادِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَنْوَاعٌ، وَأَنَّ مِنْهُ مَا يُسَمَّى عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ لِمَنْ عَانَدُوا الرُّسُلَ بَعْدَ أَنْ جَاءُوهُمْ بِمَا اقْتَرَحُوا عَلَيْهِمْ مِنَ الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ وَأَنْذَرُوهُمُ الْهَلَاكَ إِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا بَعْدَ تَأْيِيدِ اللهِ إِيَّاهُمْ بِهَا كَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ، فَسُنَّةُ اللهِ فِي ذَلِكَ خَاصَّةٌ وَقَدِ انْقَطَعَتْ بِانْقِطَاعِ إِرْسَالِ الرُّسُلِ إِذْ لَيْسَتْ جَارِيَةً عَلَى سَائِرِ سُنَنِ الِاجْتِمَاعِ.
وَمِنْهُ هَلَاكُ الْأُمَمِ بِمَا يَغْلِبُ عَلَيْهَا مِنَ الظُّلْمِ أَوِ الْفِسْقِ وَالْفُجُورِ الَّذِي
يُفْسِدُ الْأَخْلَاقَ وَيَقْطَعُ رَوَابِطَ الِاجْتِمَاعِ، وَيَجْعَلُ بَأْسَ الْأُمَّةِ بَيْنَهَا شَدِيدًا فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا اجْتِمَاعِيًّا لِسَلْبِ اسْتِقْلَالِهَا وَذَهَابِ مُلْكِهَا بِحَسَبِ سُنَنِ الِاجْتِمَاعِ، وَقَدْ أَنْذَرَنَا اللهُ هَذَا فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ كَمَا شَرَحْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فَيُرَاجَعْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنَ التَّفْسِيرِ.
ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْآيَاتِ - كَآيَةِ هُودٍ - مِنْ قَوَاعِدِ عِلْمِ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ الَّذِي لَا يَزَالُ فِي طَوْرِ الْوَضْعِ وَالتَّدْوِينِ ; وَهُوَ الْعِلْمُ بِسُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي قُوَّةِ الْأُمَمِ وَالشُّعُوبِ وَضَعْفِهَا وَعِزِّهَا وَذُلِّهَا وَغِنَاهَا وَفَقْرِهَا وَبَدَاوَتِهَا وَحَضَارَتِهَا وَأَعْمَالِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَفَائِدَةُ هَذَا الْعِلْمِ فِي الْأُمَمِ كَفَائِدَةِ عِلْمِ النَّحْوِ وَالْبَيَانِ فِي حِفْظِ اللُّغَةِ، وَفِي الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ أَهَمُّ قَوَاعِدِهِ وَأُصُولِهِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 96
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست