responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 94
مِنْ ذَلِكَ، وَجَوَابُهُمْ هَذَا وَجِيزٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِكُفْرِهِمْ وَيُقِرُّونَ بِإِتْيَانِ الرُّسُلِ وَبُلُوغِهِمْ دَعَوْتُهُمْ مِنْهُمْ أَوْ مِمَّنْ نَقَلَهَا عَنْهُمْ. وَأَنَّهُمْ كَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ; وَلِذَلِكَ قَالَ: (وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) أَيْ غَرَّهُمْ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالْمَالِ وَالْجَاهِ وَحُبِّ
الرِّيَاسَةِ وَالسُّلْطَانِ عَلَى النَّاسِ، وَرَأَوْا مِنْ دَعْوَةِ الرُّسُلِ فِي عَصْرِهِمْ أَنَّ اتِّبَاعَهُمْ إِيَّاهُمْ يَجْعَلُ الرَّئِيسَ مِنْهُمْ مَرْءُوسًا وَمُسَاوِيًا لِضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَالْمُعَامَلَاتِ. وَقَدْ يُكْرَمُونَ عَلَيْهِ بِمَا يَفْضُلُونَهُ بِهِ مِنَ التَّقْوَى وَصَالِحِ الْأَعْمَالِ، وَكَذَلِكَ حَالُ مَنْ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنَ الرُّؤَسَاءِ وَالزُّعَمَاءِ بِشَجَاعَتِهِمْ أَوْ ثَرْوَتِهِمْ أَوْ عَصَبِيَّتِهِمْ، فَهَؤُلَاءِ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِالرُّسُلِ كُفْرَ كِبْرٍ وَعِنَادٍ يُقَلِّدُهُمْ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ تَقْلِيدًا، فَيَغْتَرُّ كُلٌّ مِنْهُمْ بِمَا يَعْتَزُّ بِهِ مِنَ التَّعَاوُنِ مَعَ الْآخَرِ. وَكَانَ عَصْرُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ نَحْوًا مِنْ عَصْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْمُسَاوَاةِ، وَلَكِنَّهُ اخْتَلَفَ عَنْهُ بِمَا تَجَدَّدَ لِلْإِسْلَامِ مِنَ الْمُلْكِ وَالثَّرْوَةِ وَالْقُوَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا لِجِبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ مِنَ الِارْتِدَادِ عَنْهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ عُمَرَ يَقْتَصُّ مِنْهُ لِأَحَدِ السُّوقَةِ.
وَأَمَّا غُرُورُ أَهْلِ هَذِهِ الْأَعْصَارِ بِالدُّنْيَا الْمَانِعِ لَهُمْ مِنِ اتِّبَاعِ الرُّسُلِ، فَهُوَ مَا غَلَبَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِسْرَافِ فِي الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْجَاهِ الْبَاطِلِ الْمَذْمُومَيْنِ فِي كُلِّ دِينٍ، وَقَدْ زَالَتْ مِنْ أَكْثَرِ الْبِلَادِ الْحُكُومَاتُ الدِّينِيَّةُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الدِّينِ يَعْتَزُّونَ بِهَا، وَحَلَّ مَحَلَّهَا حُكُومَاتٌ مَادِّيَّةٌ لَا يَرْتَقِي فِيهَا وَلَا يَنَالُ الْحُظْوَةَ عِنْدَ أَهْلِهَا مَنْ يَتَّبِعُ الرُّسُلَ، بَلْ لَمْ يَعُدْ هَذَا الِاتِّبَاعُ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ نَعِيمِ الدُّنْيَا وَرِيَاسَتِهَا الْمَشْرُوعَيْنِ، فَمَا الْقَوْلُ بِالْمَحْظُورَيْنِ. وَهَذَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِيَكُونَ سَبَبًا لِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَكِنَّ النَّاسَ لَبِسُوهُ مَقْلُوبًا حَتَّى جَهِلُوا حَقِيقَتَهُ، وَلَا سِيَّمَا دِينُ الْإِسْلَامِ الْكَامِلُ الْمُكَمِّلُ الْمُتَمَّمُ بِجَمْعِهِ بَيْنَ حَاجَةِ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ وَجَمِيعِ مَصَالِحِ الِاجْتِمَاعِ وَالسِّيَادَةِ بِالْحَقِّ. وَلَوْ كَانَ لِلْإِسْلَامِ مُلْكٌ قَوِيٌّ فِي هَذَا الْعَصْرِ لَقَلَّ فِي اللَّابِسِينَ لِبَاسَهُ النِّفَاقُ وَالْفُسُوقُ - دَعِ الْكُفْرَ وَالْمُرُوقَ - وَلَدَخَلَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ أَفْوَاجًا.
(وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) أَيْ وَشَهِدُوا فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ مِنْ مَوَاقِفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِذْ تَقُومُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا كَافِرِينَ بِتِلْكَ الْآيَاتِ وَالنُّذُرِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الرُّسُلُ ; إِذْ لَا يَجِدُونَ فِيهِ مَجَالًا لِلْكَذِبِ وَالْمُكَابَرَةِ وَلَا لِلتَّأْوِيلِ. وَلَيْسَ الْكُفْرُ بِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ مَحْصُورًا فِي تَكْذِيبِهِمْ بِالْقَوْلِ، بَلْ مِنْهُ عَدَمُ الْإِذْعَانِ النَّفْسِيِّ الَّذِي يَتْبَعُهُ الْعَمَلُ بِحَسَبِ سُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي الطِّبَاعِ وَالْأَخْلَاقِ وَتَرَتُّبِ الْأَعْمَالِ عَلَيْهَا، فَالْكُفْرُ نَوْعَانِ: عَدَمُ الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَعَدَمُ الْإِسْلَامِ لَهُ بِالْإِذْعَانِ وَالْعَمَلِ. وَالذَّنْبُ الْعَارِضُ لَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ كَمَا فُصِّلَ مِرَارًا.
(ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) أَيْ ذَلِكَ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 94
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست