responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 7
(وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ حَتَّى مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ بَلْهَ غَيْرَهُمْ يَجْهَلُونَ هَذِهِ السُّنَنَ الْحَكِيمَةَ الْعَالِيَةَ، وَإِذَا ذُكِرَتْ لَهُمْ يَشْتَبِهُونَ فِي تَطْبِيقِهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ، كَمَا اشْتَبَهَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي سَبَبِ خُذْلَانِ دُوَلِهِمْ وَسُقُوطِ حُكُومَاتِهِمْ، ظَانِّينَ أَنَّ مُجَرَّدَ تَسْمِيَتِهَا مُسْلِمَةً كَافٍ لِنَصْرِ اللهِ إِيَّاهَا وَإِنْ خَالَفَتْ هِدَايَةَ دِينِهِ بِالظُّلْمِ وَالْفِسْقِ وَالْكُفْرِ فِي زُعَمَائِهَا وَإِقْرَارِهِمْ عَلَيْهِ مِنْ دَهْمَائِهَا، وَخَالَفَتْ سُنَنَهُ فِي تَنَازُعِ الْبَقَاءِ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى كَمَالِ الِاسْتِعْدَادِ كَمَا قَالَ: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (8: 60) وَقَالَ: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (8: 46) وَلَمْ يُقِيمُوا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي بَلْ
فَعَلُوا ضِدَّهَا، وَقَدْ سَبَقَ لَنَا تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ فِي التَّفْسِيرِ وَغَيْرِ التَّفْسِيرِ مِنْ أَبْوَابِ الْمَنَارِ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى شَرَّ ضُرُوبِ عَدَاءِ هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِينِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ مُقَاوَمَةُ هِدَايَتِهِمْ بِقَوْلِهِ: (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) أَيْ يُلْقِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ الْمُزَيَّنَ الْمُمَوَّهَ بِمَا يَظُنُّونَ أَنَّهُ يَسْتُرُ قُبْحَهُ وَيُخْفِي بَاطِلَهُ بِطُرُقٍ خَفِيَّةٍ دَقِيقَةٍ لَا يَفْطِنُ لِبَاطِلِهَا كُلُّ أَحَدٍ لِيُغْرُوهُمْ بِهِ. فَالْإِيحَاءُ: الْإِعْلَامُ بِالْأَشْيَاءِ مِنْ طَرِيقٍ خَفِيٍّ دَقِيقٍ سَرِيعٍ كَالْإِيمَاءِ وَتَقَدَّمَ. وَالزُّخْرُفُ الزِّينَةُ كَالْأَزْهَارِ لِلْأَرْضِ وَالذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ وَالتَّخْيِيلِ الشِّعْرِيِّ فِي الْكَلَامِ، وَمَا يَصْرِفُ السَّامِعَ عَنِ الْحَقَائِقِ إِلَى الْأَوْهَامِ. وَالْغُرُورُ ضَرْبٌ مِنَ الْخِدَاعِ بِالْبَاطِلِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْغِرَّةِ (بِالْكَسْرِ) وَالْغَرَارَةِ (بِالْفَتْحِ) وَهُمَا بِمَعْنَى الْغَفْلَةِ وَالْبَلَاهَةِ وَعَدَمِ التَّجَارِبِ وَمِنْهُ: شَابٌّ غِرٌّ وَفَتَاةٌ غِرٌّ (بِالْكَسْرِ) أَيْ غَافِلَانِ عَنْ شُئُونِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لَا تَجْرِبَةَ لَهُمَا. وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ غَرِّ الثَّوْبِ (بِالْفَتْحِ) وَهُوَ الْكَسْرُ وَالثَّنْيُ الَّذِي يَحْدُثُ مِنْ طَيِّهِ. يَقُولُونَ طَوَيْتُ الثَّوْبَ عَلَى غَرِّهِ، أَيْ عَلَى ثَنْيِ طَيَّتِهِ الْأُولَى لَمْ أُحْدِثْ فِيهِ تَغْيِيرًا، ثُمَّ صَارَ مَثَلًا يُضْرَبُ لِكُلِّ مَا يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ، يُقَالُ: طَوَيْتُهُ عَلَى غَرِّهِ. وَالْبَصِيرُ الَّذِي عَلَّمَتْهُ التَّجَارِبُ حِيَلَ النَّاسِ وَأَبَاطِيلَهُمْ لَا يُغَرُّ كَمَا يُغَرُّ مَنْ بَقِيَ عَلَى سَجِيَّتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا كَالثَّوْبِ الْبَاقِي عَلَى طَيَّتِهِ الْأُولَى. يُقَالُ غَرَّهُ يَغُرُّهُ غَرًّا وَغُرُورًا وَالْمِثَالُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْغُرُورِ هُوَ مَا أَوْحَاهُ الشَّيْطَانُ الْأَوَّلُ لِلْإِنْسَانِ الْأَوَّلِ أَبِينَا (آدَمَ) وَلِزَوْجِهِ، وَهُوَ تَزْيِينُهُ لَهُمَا الْأَكْلَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي اخْتَبَرَهُمَا اللهُ تَعَالَى بِالنَّهْيِ عَنْ قُرْبِهَا إِذْ قَالَ لَهُمَا إِنَّهَا (شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى) (20: 120) . (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ) (7: 21، 22) وَمِنْهُ مَا يُوَسْوِسُ بِهِ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ لِمَنْ يُزَيِّنُونَ لَهُمُ الْمَعَاصِيَ بِمَا فِيهَا مِنَ اللَّذَّةِ وَالِانْطِلَاقِ مِنَ الْقُيُودِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ، وَإِطْمَاعِ الْمُؤْمِنِ مِنْهُمْ بِأَمَانِي الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَالْكَفَّارَاتِ وَالشَّفَاعَةِ، كَقَوْلِ أَحَدِ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ:
تَكَثَّرْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الْخَطَايَا ... فَإِنَّكَ وَاجِدٌ رَبًّا غَفُورَا
تَعُضُّ نَدَامَةً كَفَّيْكَ مِمَّا ... تَرَكْتَ مَخَافَةَ النَّارِ السُّرُورَا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 7
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست