responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 57
هَذَا مِنْ مُصَدِّقٍ بِوُجُودِ الْجِنِّ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُمْ وَلَمْ يَسْتَعِذْ بِسَيِّدٍ مِنْ مَسُودٍ، وَمِنْ مُكَذِّبٍ بِوُجُودِهِمْ أَوْ غَيْرِ مُصَدِّقٍ وَلَا مُكَذِّبٍ، فَإِنَّ كُلَّ إِنْسِيٍّ يُوَسْوِسُ لَهُ شَيَاطِينُ الْجِنِّ مِمَّا يُزَيِّنُ لَهُ الْبَاطِلَ وَالشَّرَّ وَيُغْرِيهِ بِالْفِسْقِ وَالْفُجُورِ كَمَا تَقَدَّمَ مُفَصَّلًا. فَإِنَّ هَذَا الْخَلْقَ الْخَفِيَّ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْوَاحِ الْبَشَرِيَّةِ يُلَابِسُهَا بِقَدْرِ اسْتِعْدَادِهَا لِلْبَاطِلِ وَالشَّرِّ، وَيُقَوِّي فِيهَا دَاعِيَتَهُمَا كَمَا تُلَابِسُ جِنَّةُ الْحَيَوَانِ الْخَفِيَّةُ الْأَجْسَادَ الْحَيَوَانِيَّةَ فَتُفْسِدَ عَلَيْهَا مِزَاجَهَا وَتُوقِعَهَا فِي الْأَمْرَاضِ وَالْأَدْوَاءِ، وَقَدْ مَرَّ عَلَى الْبَشَرِ أُلُوفٌ مِنَ السِّنِينَ وَهُمْ يَجْهَلُونَ طُرُقَ دُخُولِ هَذِهِ النِّسَمِ الْحَيَّةِ فِي أَجْسَادِهِمْ وَتَقْوِيَةِ الِاسْتِعْدَادِ لِلْأَمْرَاضِ وَالْأَدْوَاءِ فِيهَا، بَلْ إِحْدَاثِ الْأَمْرَاضِ الْوَبَائِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِالْفِعْلِ، حَتَّى اكْتَشَفَهَا الْأَطِبَّاءُ فِي هَذَا الْعَصْرِ وَعَرَفُوا هَذِهِ الطُّرُقَ وَالْمَدَاخِلَ الْخَفِيَّةَ بِمَا اسْتَحْدَثُوا مِنَ الْمَنَاظِيرِ الَّتِي تُكَبِّرُ الصَّغِيرَ حَتَّى يُرَى أَكْبَرَ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ بِأُلُوفٍ مِنَ الْأَضْعَافِ، وَلَوْ قِيلَ لِأَكْبَرِ أَطِبَّاءِ قُدَمَاءِ الْمِصْرِيِّينَ أَوِ الْهُنُودِ أَوِ الْيُونَانِ أَوِ الْعَرَبِ: إِنَّ فِي الْأَرْضِ أَنْوَاعًا مِنَ النَّسَمِ الْخَفِيَّةِ تَدَخُلُ الْأَجْسَادَ مِنْ خُرْطُومِ الْبَعُوضَةِ أَوِ الْبُرْغُوثِ أَوِ الْقَمْلَةِ وَمَعَ الْهَوَاءِ وَالْمَاءِ وَالطَّعَامِ، وَتُنَمَّى فِيهَا بِسُرْعَةٍ عَجِيبَةٍ فَتَكُونُ أُلُوفَ الْأُلُوفِ، وَبِكَثْرَتِهَا تَتَوَلَّدُ الْأَمْرَاضُ وَالْأَوْبِئَةُ الْقَاتِلَةُ - لَقَالُوا إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ تَخَيُّلَاتِ الْمَجَانِينِ. وَلَكِنَّ الْعَجَبَ لِمَنْ يُنْكِرُ مِثْلَ هَذَا فِي الْأَرْوَاحِ بَعْدَ اكْتِشَافِ ذَلِكَ فِي الْأَجْسَادِ، وَأَمْرُ الْأَرْوَاحِ أَخْفَى، فَعَدَمُ وُقُوفِهِمْ عَلَى مَا يُلَابِسُهَا أُلُوفًا مِنَ السِّنِينَ أَوْلَى. وَقَدْ رُوِيَ فِي الْآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى جِنَّةِ الْأَجْسَامِ، وَلَوْ صُرِّحَ بِهِ قَبْلَ اخْتِرَاعِ هَذِهِ الْمَنَاظِيرِ الَّتِي يُرَى بِهَا لَكَانَ فِتْنَةً لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِمَا يَزِيدُهُمُ اسْتِبْعَادًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ خَبَرِ الْجِنِّ. فَفِي الْحَدِيثِ: " تَنْكَبُّوا الْغُبَارَ فَإِنَّ مِنْهُ تَكُونُ النَّسَمَةُ " وَالنَّسَمَةُ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَا فِيهِ رُوحٌ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْحَدِيثِ بِالنَّفَسِ (بِالتَّحْرِيكِ) أَيْ تَوَاتُرُهُ الَّذِي يُسَمَّى الرَّبْوَ وَالتَّهَيُّجَ وَتَبِعَهُ شَارِحُ الْقَامُوسِ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ تَجَوُّزٌ لَا يُؤَيِّدُ الطِّبُّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْحَصْرِ، وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: اتَّقَوْا غُبَارَ مِصْرَ فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ فِي الصَّدْرِ إِلَى نَسَمَةٍ. وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ تَأْوِيلِهِمْ، وَظَاهِرٌ فِيمَا يَقُولُهُ الْأَطِبَّاءُ الْيَوْمَ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَدِيثِ
الَّذِي تَأَوَّلُوهُ وَعَمْرٌو مِنْ فُصَحَاءِ قُرَيْشٍ جَهَابِذَةِ هَذَا اللِّسَانِ.
(وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا) أَيْ وَصَلْنَا بَعْدَ اسْتِمْتَاعِ بَعْضِنَا بِبَعْضٍ إِلَى الْأَجَلِ الَّذِي حَدَّدْتَهُ لَنَا وَهُوَ يَوْمُ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَقَدِ اعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا، وَلَكَ الْأَمْرُ فِينَا. فَالْمُرَادُ مِنْ ذِكْرِ بُلُوغِ الْأَجَلِ لَازِمُهُ وَهُوَ إِظْهَارُ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ تَفْرِيطِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَالِاضْطِرَارُ إِلَى تَفْوِيضِهِمُ الْأَمْرَ إِلَى الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا، وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا قَوْلًا لِلْمَتْبُوعِينَ مِنَ الشَّيَاطِينِ، وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى حِكَايَةِ كَلَامِ الضَّالِّينَ دُونَ الْمُضِلِّينَ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُضِلِّينَ قَدْ أُفْحِمُوا فَلَمْ يَتَكَلَّمُوا، وَالصَّوَابُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَذْكُرُ لَنَا بَعْضَ مَا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي آيٍ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 57
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست