responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 52
وَالْأَمْرَاضُ جَارِيَةٌ عَلَى وِفْقِ الْمَقَادِيرِ الْمُطَّرِدَةِ وَالسُّنَنِ الْعَامَّةِ ; وَلِذَلِكَ كَانَتْ عَامَّةً فِي الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الرِّزْقِ فِي سَعَتِهِ وَضِيقِهِ، قَالَ تَعَالَى فِيهَا: (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) (17: 20، 21) أَمَّا كَوْنُ الْآخِرَةِ أَكْبَرَ دَرَجَاتٍ فَمِنَ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْآخِرَةِ مِنْ دَرَجَاتِ النَّعِيمِ وَالْكَرَامَةِ فَهُوَ أَعْظَمُ وَأَرْقَى مِمَّا فِي الدُّنْيَا. وَأَمَّا كَوْنُهَا أَكْبَرَ تَفْضِيلًا فَلِأَنَّ التَّفْضِيلَ فِيهَا يَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا أَعْظَمَ مِمَّا فِي الدُّنْيَا بِمَا لَا يُقَدَّرُ قَدْرَهُ ; وَلِأَنَّهُ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: أَجْرٌ عَلَى الْأَعْمَالِ يُضَاعَفُ لِعَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ عَشَرَةَ أَضْعَافٍ، وَثَانِيهِمَا: فَضْلٌ لَا حَدَّ لَهُ، لَا جَزَاءَ عَلَى عَمَلٍ يُكَافِئُهُ. وَبِهَذَا الْجَوَابِ الَّذِي بَيَّنَاهُ لَا يَبْقَى مَجَالٌ لِقَوْلِ الْكَافِرِ وَسُؤَالِهِ.
وَأَمَّا جَوَابُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ عَلَى قَاعِدَةِ أَصْحَابِهِ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ فَلَهُ وَجْهٌ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَرَدُّ الرَّازِيِّ عَلَيْهِ تَمَحُّلٌ بَدِيهِيُّ الْبُطْلَانِ، إِذْ زَعَمَ أَنَّ إِيصَالَ التَّفَضُّلِ إِلَى أَحَدِ النَّاسِ يَقْتَضِي إِيصَالَهُ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ وَيَقْبُحُ تَرْكُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَاقًّا عَلَى اللهِ وَلَا يُوجِبُ دُخُولَ نُقْصَانٍ فِي مُلْكِهِ. وَأَنَّهُ قَبِيحٌ فِي الشَّاهِدِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَبِيحًا فِي الْغَائِبِ، وَضَرَبَ لَهُ فِي الشَّاهِدِ مَثَلَ الْمِرْآةِ، وَلَوْلَا تَعَصُّبُ الْمَذْهَبِ لَمَا كَانَ هَذَا الْعَالِمُ الْكَبِيرُ وَالذَّكِيُّ النِّحْرِيرُ يَقُولُ مِثْلَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَالْقَوْمُ يَقُولُونَ بِأَنَّ التَّفَضُّلَ غَيْرُ وَاجِبٍ، إِذِ الْوَاجِبُ لَا يُسَمَّى تَفَضُّلًا. وَيَقُولُونَ: إِنَّ وُجُوبَ التَّكْلِيفِ وُجُوبُ جُودٍ ; لِأَنَّهُ كَمَالٌ لَا وُجُوبُ إِلْزَامٍ وَإِجْبَارٍ، فَهُوَ تَحَكُّمٌ عَلَيْهِمْ فِي مَذْهَبِهِمْ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَيْسَ شَاقًّا عَلَى اللهِ تَعَالَى وَلَا يُوجِبُ نَقْصًا فِي مُلْكِهِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ بَاطِلٌ فِي مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ الْخَصْمِ، وَمَثَلُ الْمِرْآةِ غَيْرُ مُنْطَبِقٍ، وَهُوَ مِنْ قِيَاسِ الْخَالِقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ وَيَا لَهُ مِنْ قِيَاسٍ مَعَ الْفَارِقِ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ فَارِقٌ.
وَهَذَا الْقَوْلُ يُعَدُّ هَيِّنًا فِي جَنْبِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ وُجُوهِ جَعْلِ الْمُعْتَزِلَةِ خُصُومًا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَإِنَّهُ صَوَّرَ فِيهِمَا مَسْأَلَةَ إِثْبَاتِ وُجُوبِ الثَّوَابِ وَالْعِوَضِ بِصُورَةٍ مُشَوَّهَةٍ يَتَبَرَّأُ مِنْهَا وَيُكَفِّرُ قَائِلَهَا كُلُّ مُعْتَزِلِيٍّ، وَهِيَ أَنَّ الْقَائِلَ بِهَذَا الْوُجُوبِ يَقُولُ لِرَبِّهِ كَيْتَ وَكَيْتَ، وَهَذَا مِنَ الْبَاطِلِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَإِنْ كَانَ يَعْنِي بِهِ أَنَّ مِنْ لَوَازِمَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ، وَلَا يَعْنِي بِهِ أَنَّ أَحَدًا يَنْطِقُ بِمُؤَاخَذَةِ رَبِّهِ وَتَهْدِيدِهِ وَعَزْلِهِ مِنَ الْأُلُوهِيَّةِ وَشَتْمِهِ ; لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا وُجُوبُ جُودٍ وَتَفَضُّلٍ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّهُ مُقْتَضَى صِفَاتِ الْكَمَالِ الْوَاجِبَةِ لَهُ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْ إِثْبَاتِ
الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهَا إِلَّا بِحُصُولِ مُتَعَلِّقَاتِهَا مِثْلُ هَذَا التَّنْقِيصِ الْفَظِيعِ، وَالْكُفْرِ الْمُشَوَّهِ الشَّنِيعِ؟ !
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ قَصَدَ تَنْزِيهَ اللهِ تَعَالَى عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَوَصْفَهُ بِالْكَمَالِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 52
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست