responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 459
الْمَطَرِ مَجَازٌ فِيمَا يُشْبِهُهُ فِي الْكَثْرَةِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ حِسِّيَّيْنِ أَوْ مَعْنَوِيَّيْنِ مِمَّا يَجِيءُ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ مِنَ الْأَرْضِ. وَمَا قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ خَاصٌّ بِالشَّرِّ، إِلَّا مِنْ تَكَرُّرِ الْآيَاتِ فِي إِرْسَالِ الْحِجَارَةِ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى
حِكَايَةً عَنْ بَعْضِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ: (وَإِذْ قَالُوا اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (8: 32) وَغَفَلُوا عَنْ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) (46: 24) .
نَحْنُ نُؤْمِنُ بِهَذِهِ الْآيَةِ كَمَا وَرَدَتْ فِي سُوَرِ الْقُرْآنِ وَلَا نَقُولُ فِي حَقِيقَتِهَا وَصِفَتِهَا قَوْلًا جَازِمًا، وَلَكِنْ يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يَكُونَ سَبَبُ إِمْطَارِ الْحِجَارَةِ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ إِرْسَالَ إِعْصَارٍ مِنَ الرِّيحِ حَمَلَتْهَا وَأَلْقَتْهَا عَلَيْهِمْ وَمِثْلُ هَذَا مَعْهُودٌ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَهْلِ سَاحِلِ الْبَحْرِ أَنَّ السَّمَاءَ أَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ مَرَّةً طِينًا وَمَرَّةً سَمَكًا - أَيْ مَعَ الْمَطَرِ - وَسَأَلُوا: مِنْ أَيْنَ جَاءَ ذَلِكَ؟ فَقُلْنَا: أَمَّا التُّرَابُ فَأَثَارَتْهُ السَّافِيَاءُ مِنَ الرِّيحِ فَحَمَلَتْهُ إِلَى السَّحَابِ فَنَزَلَ مَعَ الْمَطَرِ طِينًا، وَأَمَّا السَّمَكُ فَهَذَا الْإِعْصَارُ الَّذِي يُرَى مُتَدَلِّيًا مِنَ السَّحَابِ إِلَى الْبَحْرِ أَوْ مُرْتَفِعًا مِنَ الْبَحْرِ إِلَى السَّحَابِ كَعَمُودٍ مِنَ الدُّخَّانِ وَتُسَمُّونَهُ التِّنِّينَ، هُوَ الَّذِي يَرْفَعُ الْمَاءَ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى السَّحَابِ، فَاتَّفَقَ أَنْ كَانَ فِيمَا رَفَعَهُ سَمَكٌ حَمَلَتْهُ الرِّيحُ إِلَيْكُمْ لِقُرْبِكُمْ مِنَ الْبَحْرِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْحِجَارَةُ مِنْ بَعْضِ النُّجُومِ الْمُحَطَّمَةِ الَّتِي يُسَمِّيهَا الْفَلَكِيُّونَ الْحِجَارَةَ النَّيْزَكِيَّةَ، وَهِيَ بَقَايَا كَوْكَبٍ مُحَطَّمٍ تَجْذِبُهُ الْأَرْضُ إِلَيْهَا إِذَا صَارَتْ بِالْقُرْبِ مِنْهَا، وَهِيَ تَحْتَرِقُ غَالِبًا مِنْ سُرْعَةِ الْجَذْبِ وَشِدَّتِهِ وَهِيَ الشُّهُبُ الَّتِي تُرَى فِي اللَّيْلِ، فَإِذَا سَلِمَ مِنْهَا شَيْءٌ مِنَ الِاحْتِرَاقِ وَوَصَلَ إِلَى الْأَرْضِ سَاخَ فِيهَا، وَكَانَ لِسُقُوطِهِ صَوْتٌ شَدِيدٌ، وَقَدِ اهْتَدَى النَّاسُ إِلَى بَعْضِ هَذِهِ الْحِجَارَةِ وَوَضَعُوهَا فِي الْمَتَاحِفِ، وَلَمْ يُعْهَدْ أَنْ تَكُونَ كَثِيرَةً، وَالْآيَاتُ تُخَالِفُ الْمَعْهُودَ وَتَخْتَرِقُ الْمُعْتَادَ وَإِنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً لِسُنَنٍ خَفِيَّةٍ فِي الْكَوْنِ بِفِعْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَفِي سُورَتَيْ هُودٍ وَالْحِجْرِ أَنَّهَا حِجَارَةٌ مِنْ سِجِّيلٍ مُسَوَّمَةً. وَاخْتَلَفَ رُوَاةُ التَّفْسِيرِ فِي تَفْسِيرِ السِّجِّيلِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوَّلُهَا حِجَارَةٌ وَآخِرُهَا طِينٌ، وَفِي قَوْلِهِ: (مُسَوَّمَةً) (11: 83) قَالَ: مُعَلَّمَةً. وَمِثْلِهِ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حِجَارَةٌ فِيهَا طِينٌ، وَقَالَ: السَّوْمُ بَيَاضٌ فِي حُمْرَةٍ، وَقَالَ الرَّاغِبُ: وَالسِّجِّيلُ حَجَرٌ وَطِينٌ مُخْتَلِطٌ وَأَصْلُهُ فِيمَا قِيلَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ اهـ. وَهَذَا يُرَجِّحُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ كَوْنُ تِلْكَ الْحِجَارَةِ مِنَ الْأَرْضِ وَقَلَعَتْهَا الْأَعَاصِيرُ مِنْ أَرْضٍ رَطْبَةٍ مِنَ الْمَطَرِ أَوْ غَيْرِهِ، وَحِجَارَةُ النَّيَازِكِ لَا تَكُونُ إِلَّا جَافَّةً، بَلْ تَسْقُطُ حَامِيَةً مِنْ شِدَّةِ الْجَذْبِ ثُمَّ تَبْرُدُ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفِيلِ: السِّجِّيلُ طِينٌ مُتَحَجِّرٌ. وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَأَنَّهُ فَارِسِيُّ الْأَصْلِ. وَسَنَعُودُ إِلَى هَذَا الْبَحْثِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ هُودٍ إِنْ شَاءَ اللهُ
تَعَالَى، وَفِيهَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ عَالِيَ تِلْكَ الْقُرَى سَافِلَهَا، وَنُبَيِّنُ أَنَّ وُقُوعَ هَذَا وَذَاكَ بِالسُّنَنِ الْإِلَهِيَّةِ الْجَلِيَّةِ أَوِ الْخَفِيَّةِ لَا يُنَافِي كَوْنَهَا آيَةً.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 459
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست