responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 454
لِكُلِّ الْبَشَرِ عَلَى الظَّاهِرِ الْمُتَبَادَرِ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ يَصْدُقُ بِعَالِمِي زَمَانِهِمْ، وَلِكَوْنِهِمْ هُمُ الْمُبْتَدِعِينَ لَهَا اشْتَقَّ الْعَرَبُ لَهَا اسْمًا مِنْ لُوطٍ فَقَالُوا لَاطَ بِهِ لِوَاطَةً.
(إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ) اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ مُفَسِّرٌ لِلْإِتْيَانِ الْمُجْمَلِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَالْإِتْيَانُ كِنَايَةٌ عَنِ الِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي عُهِدَ بِمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ تَدْعُو إِلَيْهِ الشَّهْوَةُ وَيَقْصِدُ بِهِ النَّسْلَ، وَتَعْلِيلُهُ هُنَا بِالشَّهْوَةِ وَتَجَنُّبِ النِّسَاءِ بَيَانٌ لِخُرُوجِهِمْ عَنْ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ، وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْغَرِيزَةُ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي يَقْصِدُهَا الْإِنْسَانُ الْعَاقِلُ وَالْحَيَوَانُ الْأَعْجَمُ. فَسَجَّلَ عَلَيْهِمْ بِابْتِغَاءِ الشَّهْوَةِ وَحْدَهَا أَنَّهُمْ أَخَسُّ مِنَ الْعَجْمَاوَاتِ وَأَضَلُّ سَبِيلًا، فَإِنَّ ذُكُورَهَا تَطْلُبُ إِنَاثَهَا بِسَائِقِ الشَّهْوَةِ لِأَجْلِ النَّسْلِ الَّذِي يُحْفَظُ بِهِ نَوْعُ كَلٍّ مِنْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّيْرَ وَالْحَشَرَاتِ تَبْدَأُ حَيَاتَهَا الزَّوْجِيَّةَ بِبِنَاءِ الْمَسَاكِنِ الصَّالِحَةِ لِنَسْلِهَا فِي رَاحَتِهِ وَحِفْظِهِ مِمَّا يَعْدُو عَلَيْهِ - مِنْ عُشٍّ فِي أَعْلَى شَجَرَةٍ أَوْ وُكْنَةٍ فِي قُلَّةِ جَبَلٍ أَوْ جُحْرٍ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ أَوْ غِيلٍ فِي دَاخِلِ أَجَمَةٍ أَوْ حَرَجَةٍ؟ - وَهَؤُلَاءِ الْمُجْرِمُونَ لَا غَرَضَ لَهُمْ إِلَّا إِرْضَاءُ حِسِّ الشَّهْوَةِ وَقَضَاءُ وَطَرِ اللَّذَّةِ. وَمَنْ قَصَدَ الشَّهَوَاتِ لِذَاتِهَا، تَمَتُّعًا بِلَذَّاتِهَا، دُونَ الْفَائِدَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ تَعَالَى لِأَجْلِهَا، جَنَى عَلَى نَفْسِهِ غَائِلَةَ الْإِسْرَافِ فِيهَا، فَانْقَلَبَ نَفْعُهَا ضُرًّا، وَصَارَ خَيْرُهَا شَرًّا، يَجْعَلُ الْوَسِيلَةَ مَقْصِدًا، وَصَيْرُورَةَ الْإِسْرَافِ فِيهِ خُلُقًا؛ إِذِ الْفِعْلُ يَكُونُ حِينَئِذٍ عَنْ دَاعِيَةٍ ثَابِتَةٍ لَا عَنْ عِلَّةٍ عَارِضَةٍ، فَلَا يَزَالُ صَاحِبُهُ يُعَاوِدُهُ حَتَّى يَكُونَ مَلَكَةً رَاسِخَةً لَهُ، فَتَكْرَارُ الْعَمَلِ يُكَوِّنُ الْمَلَكَةَ، وَالْمَلَكَةُ تَدْعُو إِلَى تَكْرَارِ الْعَمَلِ وَالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ، وَهَذَا وَجْهُ إِضْرَابِ الِانْتِقَالِ مِنْ إِسْنَادِ إِتْيَانِ الْفَاحِشَةِ إِلَيْهِمْ بِفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمُفِيدِ لِلتَّكْرَارِ وَالِاسْتِمْرَارِ إِلَى إِسْنَادِ صِفَةِ الْإِسْرَافِ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ:
(بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) أَيْ لَسْتُمْ تَأْتُونَ هَذِهِ الْفَاحِشَةَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ بَعْدَ نَدَمٍ وَتَوْبَةٍ عَقِبَ كُلِّ مَرَّةٍ، بَلْ أَنْتُمْ مُسْرِفُونَ فِيهَا وَفِي سَائِرِ أَعْمَالِكُمْ
لَا تَقِفُونَ عِنْدَ حَدِّ الِاعْتِدَالِ فِي عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ، فَفِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ مَكَانُ هَذِهِ الْآيَةِ - وَمَا قَبْلَهَا عَيْنُ مَا قَبْلَهَا - (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونِ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) (29: 29) وَفِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ مَكَانُ هَذَا الْإِضْرَابِ هُنَا: (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ) (26: 166) أَيْ مُتَجَاوِزُونَ لِحُدُودِ الْفِطْرَةِ وَحُدُودِ الشَّرِيعَةِ، فَهُوَ بِمَعْنَى الْإِسْرَافِ، وَفِي سُورَةِ النَّمْلِ: (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (55:27) وَهُوَ يَشْمَلُ الْجَهْلَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْعِلْمِ، وَالْجَهْلَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى السَّفَهِ وَالطَّيْشِ. وَمَجْمُوعُ الْآيَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُرْزَئِينَ بِفَسَادِ الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ، بِجَمْعِهِمْ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالْعُدْوَانِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 454
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست