responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 434
وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ يُعْرَفُ سَبَبُ اخْتِلَافِ النَّسِيمِ وَهُبُوبِ الرِّيحِ فِي سَوَاحِلِ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ تَارَةً مِنَ الْبَرِّ كَوَقْتِ اللَّيْلِ وَتَارَةً مِنَ الْبَحْرِ وَأَكْثَرُهُ فِي النَّهَارِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ أَقَلُّ تَأَثُّرًا بِحَرَارَةِ الشَّمْسِ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا سِيَّمَا الرَّمْلِيَّةُ وَالْحَجَرِيَّةُ.
هَذَا وَإِنَّ لِلرِّيَاحِ فِي اتِّجَاهِهَا بَيْنَ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ وَالْقُطْبِ جَنُوبًا وَشَمَالًا وَفِيمَا بَيْنَهُمَا شَرْقًا وَغَرْبًا أَسْبَابًا مَعْرُوفَةً، كَمَا أَنَّ لِقُوَّةِ الرِّيَاحِ فِي الْبِحَارِ وَالْأَقْطَارِ أَوْقَاتًا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَوَاقِعِهَا مِنَ الْأَرْضِ، كَالرِّيَاحِ الْمَوْسِمِيَّةِ الَّتِي تَشْتَدُّ فِي فَصْلِ الصَّيْفِ فِي الْمُحِيطِ الْهِنْدِيِّ حَيْثُ تَكُونُ الْبِحَارُ الشَّمَالِيَّةُ وَكَذَا الْبَحْرُ الْمُتَوَسِّطُ رَهْوًا أَوْ مُعْتَدِلَةَ الِاضْطِرَابِ تَبَعًا لِسُكُونِ الرِّيحِ وَاعْتِدَالِهَا.
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ أَسْبَابَ حَرَكَةِ الْهَوَاءِ وَهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَكَوْنِ أَصْلِ الْمُنْتَظِمِ مِنْهَا أَرْبَعًا وَمِنْهُ مَا يُسَمُّونَهُ الرِّيَاحَ التِّجَارِيَّةَ الْمُوَاتِيَةَ وَالْمُضَادَّةَ أَوِ الْعَكْسِيَّةَ وَالرِّيَاحَ الْمَوْسِمِيَّةَ - كُلُّ تِلْكَ الْأَسْبَابِ - مَعْرُوفَةٌ لِلْبَشَرِ فِي الْجُمْلَةِ تَبَعًا لِعِلْمِهِمْ بِسُنَنِ اللهِ فِي الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ وَبِهَيْئَةِ الْأَرْضِ وَحَرَكَتِهَا وَفُصُولِهَا، وَلَكِنَّ هَذَا الْعِلْمَ إِجْمَالِيٌّ فَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ مَتَى تَهِبُّ الرِّيحُ فِي بِلَادِهِ وَمَتَى تَسْكُنُ وَمَتَى يَشْتَدُّ الْحَرُّ فِي أَيَّامِ شُهُورِ الصَّيْفِ وَالْبَرْدُ فِي أَيَّامِ شُهُورِ الشِّتَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ.
وَمِنْ أَعْظَمِ فَوَائِدِ الرِّيَاحِ نَقْلُهَا لِمَادَّةِ اللَّقَاحِ مِنْ ذُكُورِ النَّبَاتِ
إِلَى إِنَاثِهِ، فَإِنَّ مِنَ الشَّجَرِ مَا هُوَ ذَكَرٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ أُنْثَى كَالنَّخْلِ، فَوَظِيفَةُ الْأَوَّلِ تَلْقِيحُ الْآخَرِ وَهَذَا إِنَّمَا يُثْمِرُ بِتَلْقِيحِ ذَاكَ لَهُ وَلَا يُثْمِرُ بِغَيْرِ تَلْقِيحٍ، وَإِذَا أُجِيدَ التَّلْقِيحُ كَانَ سَبَبًا لِجَوْدَةِ الثَّمَرِ وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْهَا مَا تَشْتَمِلُ كُلُّ شَجَرَةٍ مِنْهُ عَلَى أَعْضَاءِ الذُّكُورَةِ الْمُلَقِّحَةِ وَأَعْضَاءِ الْأُنُوثَةِ الْمُثْمِرَةِ، وَالرِّيَاحُ تَنْقُلُ اللَّقَاحَ فِيمَا لَا تَتَّصِلُ ذُكُورُهُ بِإِنَاثِهِ نَقْلًا تَامًّا أَوْ نَاقِصًا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) (15: 22) وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَعْلَمُ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ فِيمَا يَظْهَرُ، حَتَّى الَّذِينَ كَانُوا يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ بِأَيْدِيهِمْ، إِذْ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلِذَلِكَ جَعَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ اللَّقْحَ هُنَا مَجَازِيًّا بِتَشْبِيهِ تَأْثِيرِ الرِّيَاحِ فِي السَّحَابِ ذَلِكَ التَّأْثِيرُ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْمَطَرُ بِتَأْثِيرِ اللَّقَاحِ فِي الْحَيَوَانِ وَكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْحَمْلِ وَالنِّتَاجِ.
وَأَمَّا مَنَافِعُ الرِّيَاحِ فِي إِحْدَاثِ الْمَطَرِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الَّتِي جَعَلْنَا هَذَا الِاسْتِطْرَادَ مُتَمِّمًا لَهُ بِتَفْسِيرِهَا بِبَيَانِ نِعَمِ اللهِ عَلَى الْخَلْقِ بِهَا، وَالْمَطَرُ هُوَ الْأَصْلُ لِمِيَاهِ الْأَنْهَارِ وَالْيَنَابِيعِ وَالْآبَارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ) (39: 21) وَالْمَاءُ مُرَكَّبٌ مِنْ عُنْصُرَيِ الْأُكْسُجِينِ وَالْأَيُدْرُوجِينِ، وَيُخَالِطُ مَاءَ الْمَطَرِ مِنْهُ وَهُوَ أَنْقَاهُ بَعْضُ مَا يَحْمِلُهُ الْهَوَاءُ مِنَ الْعَنَاصِرِ مِنَ الْمَوَادِّ الْمُنْفَصِلَةِ مِنَ الْهَوَاءِ وَعَوَالِمِهَا، وَمِيَاهُ الْأَرْضِ يُخَالِطُهَا كَثِيرٌ مِنْ مَوَارِدِهَا وَبَعْضُهَا ضَارٌّ فِي الشُّرْبِ وَبَعْضُهَا نَافِعٌ وَلِذَلِكَ يَفْضُلُ بَعْضُ الْمِيَاهِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 434
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست