responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 432
فِيهَا تَخَلُّلَ الْهَوَاءِ وَنُورِ الشَّمْسِ لَهَا فَسَدَ هَوَاؤُهَا، وَكَثُرَتْ فِيهَا جِنَّةُ الْأَمْرَاضِ وَالْأَدْوَاءِ الَّتِي تَفْتِكُ بِأَهْلِهَا، ثُمَّ إِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ فِي جُمْلَةِ
مَا يُقِيمُونَ مِنَ الدُّورِ وَالدَّكَاكِينِ وَالْمَعَامِلِ وَالْمَدَارِسِ وَالثُّكْنَاتِ لِلسَّكَنِ وَالْأَعْمَالِ الْعَامَّةِ وَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَالْجُنْدِ الَّتِي يُسَمَّى مَجْمُوعُهَا الْمَدِينَةَ إِلَى مِثْلِ مَا يُرَاعَى فِي كُلِّ دَارٍ مِنْ قَوَانِينِ الصِّحَّةِ، كَسِعَةِ الشَّوَارِعِ وَالْجَوَادِ الْعَامَّةِ وَمَا يَتَفَرَّعُ مِنْهَا مِنَ النَّوَاشِطِ الْخَاصَّةِ بِطَائِفَةٍ مِنَ السُّكَّانِ بِحَيْثُ يَكُونُ الِانْتِفَاعُ بِالْهَوَاءِ وَالشَّمْسِ عَامًّا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمَدِينَةِ الْكَبِيرَةِ حَدَائِقُ وَبَسَاتِينُ وَاسِعَةً مُبَاحَةً لِجَمِيعِ أَهْلِهَا لِمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ إِلَى الشَّجَرِ فِي اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ، وَلِيَخْتَلِفَ إِلَيْهَا النَّاسُ عِنْدَ إِرَادَةِ الِاسْتِرَاحَةِ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَأَحْوَجُهُمْ إِلَيْهَا الْأَطْفَالُ يَتَفَيَّئُونَ ظِلَالَهَا وَيَسْتَنْشِقُونَ هَوَاءَهَا النَّقِيَّ الْمُنْعِشَ. فَإِذَا قَصَّرُوا فِي هَذَا انْتَابَتِ الْأَمْرَاضُ مَنْ يُقِيمُونَ فِي الدُّورِ الَّتِي لَا يُطَهِّرُهَا الْهَوَاءُ وَالنُّورُ، ثُمَّ تَسْرِي إِلَى مَنْ يُخَالِطُهُمْ مِنْ سَائِرِ طَبَقَاتِ السُّكَّانِ.
وَخَيْرُ الْهَوَاءِ الْمُعْتَدِلِ بَيْنَ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ وَالْجَفَافِ وَالرُّطُوبَةِ، وَمِنْ فَوَائِدِ الْحَارِّ إِفْرَازُ الْعَرَقِ مِنَ الْجِلْدِ وَهُوَ مُطَهِّرٌ لِبَاطِنِ الْبَدَنِ كَتَطْهِيرِ الْحَمَّامِ لِظَاهِرِهِ، بِمَا يَخْرُجُ مَعَهُ مِنَ الْفَضَلَاتِ الْمَيِّتَةِ وَالْمَوَادِّ السَّامَّةِ، فَهَذِهِ الْفَائِدَةُ تُوَازِي ضَرَرَهُ فِي عُسْرِ التَّنَفُّسِ وَقِلَّةِ مَا يَدْخُلُ مَعَهُ فِي الرِّئَةِ مِنَ الْأُكْسُجِينِ وَقِلَّةِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنَ الْكَرْبُونِ السَّامِّ، وَفِي ضَعْفِ الْهَضْمِ وَاسْتِرْخَاءِ الْجِسْمِ.
وَمِنْ فَوَائِدِ الْبَارِدِ تَشْدِيدُ الْأَعْصَابِ وَتَنْشِيطُ الْجِسْمِ، وَهُوَ يُحْدِثُ حَرَارَةً فِي الْبَاطِنِ بِكَثْرَةِ مَا يَدْخُلُ مَعَهُ مِنَ الْأُكْسُجِينِ فِي الْجَوْفِ (وَهُوَ مُوَلِّدُ الْحَرَارَةِ وَالِاشْتِعَالِ) فَيَحْتَاجُ إِلَى كَثْرَةِ الْوَقُودِ الَّذِي يَحْرِقُهُ، وَهُوَ الْغِذَاءُ، وَلِذَلِكَ يَكْثُرُ الْأَكْلُ وَيَقْوَى الْهَضْمُ فِي الْجَوِّ الْبَارِدِ، وَتَشْتَدُّ الْحَاجَةُ فِيهِ إِلَى الْحَرَكَةِ وَالْعَمَلِ لِدَفْعِ الدَّمِ إِلَى الشَّرَايِينِ الَّتِي فِي ظَاهِرِ الْجِسْمِ لِتَدْفِئَتِهِ، فَهُوَ يُفِيدُ الْأَقْوِيَاءَ الْأَصِحَّاءَ وَيَضُرُّ الضُّعَفَاءَ وَالْمُصَابِينَ بِبَعْضِ الْأَمْرَاضِ الصَّدْرِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَنْبَغِي تَخْفِيفُ الطَّعَامِ فِي زَمَنِ الْحَرِّ، وَاجْتِنَابُ الْإِكْثَارِ مِنَ اللَّحْمِ وَلَا سِيَّمَا الْأَحْمَرُ مِنْهُ وَمِنَ الْحَلْوَى وَالْأَدْهَانِ، وَجَعْلُ مُعْظَمِ الْغِذَاءِ مِنَ الْبُقُولِ وَالْفَاكِهَةِ.
وَمِنْ حِكَمِ اللهِ تَعَالَى وَلُطْفِ تَدْبِيرِهِ فِي الْهَوَاءِ وَفِي اخْتِلَافِ بِقَاعِ الْأَرْضِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ مَا يُحْدِثُهُ هَذَا الِاخْتِلَافُ مِنَ الرِّيَاحِ وَمَا لَهَا مِنَ الْمَنَافِعِ لِلْأَحْيَاءِ وَلَا سِيَّمَا النَّاسُ.
فَمِنْ سُنَنِهِ تَعَالَى فِي نِظَامِ الْكَوْنِ أَنَّ الْحَرَارَةَ تُمَدِّدُ الْأَجْسَامَ فَيَخِفُّ وَزْنُهَا، وَأَنَّ الْمَائِعَاتِ وَالْأَبْخِرَةَ وَالْغَازَاتِ مِنْهَا يَعْلُو مَا خَفَّ مِنْهَا عَلَى مَا ثَقُلَ، فَإِذَا وُضِعَ مَاءٌ وَزَيْتٌ فِي إِنَاءٍ يَكُونُ الزَّيْتُ فِي أَعْلَاهُ وَإِنْ وُضِعَ أَوَّلًا، وَالْمَاءُ فِي أَسْفَلِهِ وَإِنْ وُضِعَ آخِرًا؛ لِأَنَّ الزَّيْتَ أَخَفُّ مِنَ الْمَاءِ، وَالْمَاءُ السَّخِنُ يَكُونُ فِي أَعْلَى الْإِنَاءِ وَالْبَارِدُ فِي أَسْفَلِهِ، وَمَتَى سُخِّنَ كُلُّهُ يَكُونُ أَعْلَاهُ أَشَدَّ حَرَارَةً مِنْ أَسْفَلِهِ. فَعَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ إِذْ سُخِّنَ الْهَوَاءُ الْمُجَاوِرُ لِلْأَرْضِ بِحَرَارَتِهَا لَا يَلْبَثُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 432
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست