responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 404
وَابْنِ تَيْمِيَةَ وَابْنِ الْقَيِّمِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَنْقُولِ عَلَى كُرَوِيَّةِ الْأَرْضِ وَظَوَاهِرُ النُّصُوصِ أَدَلُّ عَلَى هَذَا مِنْ مُقَابِلِهِ كَهَذِهِ الْآيَةِ. وَحَكَوُا الْقَوْلَ بِدَوَرَانِهَا عَلَى مَرْكَزِهَا وَأَوْرَدُوا عَلَيْهِ نَظَرِيَّاتٍ تُشَكِّكُ فِي كَوْنِهِ قَطْعِيًّا وَلَا تَنْقُضُهُ - كَمَا فِي الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ وَغَيْرِهِمَا - وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) (39: 5) أَدَلُّ عَلَى اسْتِدَارَةِ الْأَرْضِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَكَذَا عَلَى دَوَرَانِهَا، فَإِنَّ التَّكْوِيرَ فِي اللُّغَةِ هُوَ اللَّفُّ عَلَى الْمُسْتَدِيرِ كَتَكْوِيرِ الْعِمَامَةِ. وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِدَوَرَانِ الشَّمْسِ فِي فَلَكِهَا الْوَاسِعِ حَوْلَ الْأَرْضِ وَإِمَّا بِاسْتِدَارَةِ الْأَرْضِ حَوْلَ الشَّمْسِ، وَهُوَ الَّذِي قَامَتِ الدَّلَائِلُ الْكَثِيرَةُ فِي عِلْمِ الْهَيْئَةِ عَلَى رُجْحَانِهِ.
(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ) الْأَمْرُ هُنَا أَمْرُ التَّكْوِينِ، أَوْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّصَرُّفِ وَالتَّدْبِيرِ وَمِنْهُ أُولُو الْأَمْرِ، وَأَصْلُهُ الْأَمْرُ الْمُقَابِلُ لِلنَّهْيِ تَوَسُّعًا فِيهِ، أَيْ وَخَلَقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ حَالَ كَوْنِهِنَّ مُذَلَّلَاتٍ خَاضِعَاتٍ لِتَصَرُّفِهِ مُنْقَادَاتٍ لِمَشِيئَتِهِ فَقَدْ قَرَأَ الْجُمْهُورُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ بِالنَّصْبِ، وَقَرَأَهَا ابْنُ عَامِرٍ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ الشَّمْسَ مُبْتَدَأٌ بِاعْتِبَارِ مَا عُطِفَ عَلَيْهَا، وَمُسَخَّرَاتٍ خَبَرُهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنَ التَّسْخِيرِ بِأَمْرِهِ، إِلَّا أَنَّ ظَاهِرَ قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ غَيْرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ فِي مَوْضِعِهِ.
(أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) " أَلَا " أَدَاةٌ يُفْتَتَحُ بِهَا الْقَوْلُ الَّذِي يُهْتَمُّ بِشَأْنِهِ، لِأَجْلِ تَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ لِمَضْمُونِهِ وَحَمْلِهِ عَلَى تَأَمُّلِهِ، وَالْخَلْقُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ التَّقْدِيرُ وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ يَقَعُ فِيهِ، وَاسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى الْإِيجَادِ بِقَدَرٍ؛ أَيْ: أَلَا إِنَّ لِلَّهِ الْخَلْقَ فَهُوَ الْخَالِقُ الْمَالِكُ لِذَوَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَهُ فِيهَا الْأَمْرُ وَهُوَ التَّشْرِيعُ وَالتَّكْوِينُ وَالتَّصَرُّفُ وَالتَّدْبِيرُ فَهُوَ الْمَالِكُ، وَالْمَلِكُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَلَا فِي مِلْكِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا بَعْضَ الْآيَاتِ النَّاطِقَةِ بِتَدْبِيرِهِ تَعَالَى لِلْأَمْرِ عَقِبَ ذِكْرِ الِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ. وَمِنْ هَذَا التَّدْبِيرِ مَا سَخَّرَ اللهُ لَهُ الْمَلَائِكَةَ الْمَعْنِيِّينَ بِقَوْلِهِ: (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا) (79: 5) مِنْ نِظَامِ الْعَالَمِ وَسُنَنِهِ، وَمِنْهُ الْوَحْيُ يَنْزِلُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى الرُّسُلِ. وَيَشْمَلُهُمَا قَوْلُهُ: (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مَثَلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ) (65: 12) وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْخَلْقُ مَا دُونَ الْعَرْشِ وَالْأَمْرُ مَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَعَنْهُ أَنَّ الْأَمْرَ هُوَ الْكَلَامُ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا عَنْ غَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا فِي الْآيَةِ.
وَلِلصُّوفِيَّةِ أَنَّ عَالَمِ الْخَلْقِ مَا أَوْجَدَهُ اللهُ تَعَالَى بِالْأَسْبَابِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْمَوَالِيدِ الثَّلَاثَةِ مَثَلًا، وَالْأَمْرُ مَا أَوْجَدَهُ ابْتِدَاءً بِقَوْلِهِ: " كُنْ " كَالرُّوحِ وَأَصْلِ الْمَادَّةِ وَالْعُنْصُرِ الْأَوَّلِ لَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي عَالَمَ الشَّهَادَةِ وَالْحِسِّ بِعَالَمِ الْخَلْقِ وَعَالَمِ الْمُلْكِ وَيُسَمِّي عَالَمَ الْغَيْبِ بِعَالَمِ الْأَمْرِ وَالْمَلَكُوتِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 404
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست