responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 382
(وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (5: 8) بَلْ مِنْهُمْ مَنْ بَغَى هَذِهِ الشَّرِيعَةَ الْعَادِلَةَ الْمُعْتَدِلَةَ عِوَجًا فِي أَسَاسِ نِظَامِهَا وَأُصُولِ أَحْكَامِهَا، فَجَعَلَ حُكُومَتَهَا مِنْ قَبِيلِ الْحُكُومَاتِ الشَّخْصِيَّةِ، ذَاتِ السُّلْطَةِ الِاسْتِبْدَادِيَّةِ.
وَالظَّالِمُونَ بَالَغُوا فِيهَا جَعَلُوا يُسْرَهَا عُسْرًا، وَسَعَتَهَا ضِيقًا وَحَرَجًا، وَزَادُوا عَلَى مَا شَرَعَهُ اللهُ مِنْ أَحْكَامِ الْعِبَادَاتِ، وَالْمَحْظُورَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ، أَضْعَافَ مَا أَنْزَلَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا صَحَّ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ، مِمَّا ضَاقَتْ بِهِ مُطَوَّلَاتُ الْأَسْفَارِ، الَّتِي تَنْقَضِي دُونَ تَحْصِيلِهَا الْأَعْمَارُ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ غَايَةَ الِاهْتِدَاءِ بِهَا الْفَقْرَ وَالْمَهَانَةَ، وَالذِّلَّةَ وَالِاسْتِكَانَةَ، خِلَافًا لِمَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ مِنْ عِزَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَوْنِهِمْ أَوْلَى بِزِينَةِ الدُّنْيَا وَطَيِّبَاتِهَا مِنَ الْكَافِرِينَ.
فَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ لِمَنْ يَبْغُونَهَا عِوَجًا مِنَ الْمُنْتَمِينَ إِلَيْهَا وَالْمُدَّعِينَ لِهِدَايَتِهَا، وَأَمَّا أَعْدَاؤُهَا الصُّرَحَاءُ فَهُمْ يَطْعَنُونَ فِي كِتَابِ اللهِ وَفِي خَاتَمِ رُسُلِهِ جَهْرًا بِمَا يَخْلُقُونَ مِنَ الْإِفْكِ، وَمَا يُحَرِّفُونَ مِنَ الْكَلِمِ، وَمَا يَخْتَرِعُونَ مِنَ الشُّبُهَاتِ، وَمَا يُنَمِّقُونَ مِنَ الْمُشَكِّكَاتِ وَأَمْرُهُمْ مَعْرُوفٌ، وَأَجْرَؤُهُمْ عَلَى الْبُهْتَانِ وَالزُّورِ وَتَعَمُّدِ قَلْبِ الْحَقَائِقِ فَرِيقَانِ - دُعَاةُ النَّصْرَانِيَّةِ الطَّامِعُونَ فِي تَنْصِيرِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ حِرْفَةً عَلَيْهَا مَدَارُ رِزْقِهِمْ، وَرِجَالُ السِّيَاسَةِ الِاسْتِعْمَارِيُّونَ الطَّامِعُونَ فِي اسْتِعْبَادِ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتِعْمَارِ بِلَادِهِمْ، وَكُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ ظَهِيرٌ لِلْآخَرِ، فَالْحُكُومَةُ السُّودَانِيَّةُ الْإِنْكِلِيزِيَّةُ حَرَّمَتْ مَجَلَّةَ الْمَنَارِ عَلَى مُسْلِمِي السُّودَانِ بِسَعْيِ دُعَاةِ النَّصْرَانِيَّةِ وَسَعَايَتُهُمْ لِأَنَّ دَعْوَتَهُمْ لَا تَرُوجُ فِي قَوْمٍ يَقْرَءُونَ الْمَنَارَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ) فَهُوَ خَاصٌّ بِمُنْكِرِي الْبَعْثِ مِنْ أُولَئِكَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا، وَهُمْ شَرُّ تِلْكَ الْفِرَقِ كُلِّهَا - أَيْ وَهُمْ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ وَإِضْلَالِهِمْ كَافِرُونَ بِالْآخِرَةِ كُفْرًا رَاسِخًا
قَدْ صَارَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِمْ فَلَا يَخَافُونَ عِقَابًا عَلَى إِجْرَامِهِمْ فَيَتُوبُوا مِنْهُ، وَتَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ (بِالْآخِرَةِ) عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ فَإِنَّ أَصْلَ كُفْرِهِمْ قَدْ عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْهُ لَهُ تَأْثِيرٌ خَاصٌّ فِي إِصْرَارِهِمْ عَلَى مَا أُسْنِدَ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ غَفَلَ عَنْ هَذَا مَنْ قَالَ إِنَّ التَّقْدِيمَ لِأَجْلِ رِعَايَةِ الْفَاصِلَةِ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ بِلَعْنِ هَؤُلَاءِ فِي الْآخِرَةِ يَصِفُهُمْ بِالظُّلْمِ، وَيُسْنِدُ إِلَيْهِمُ الصَّدَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَبَغْيِهَا عِوَجًا بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ، وَيَصِفُهُمْ بِالْكُفْرِ بِالْآخِرَةِ فِي الْآخِرَةِ بَعْدَ أَنْ زَالَ الْكُفْرُ بِهَا، بِعَيْنِ الْيَقِينِ فِيهَا، وَفَاتَ زَمَنُ الصَّدِّ عَنْهَا، وَبَغْيِهَا عِوَجًا وَالنُّكْتَةُ فِي هَذَا تَصْوِيرُ حَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، وَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا مَا صَارُوا إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، لِيَتَذَكَّرُوهَا هُمْ وَكُلُّ مَنْ سَمِعَ التَّأْذِينَ بِهَا، وَيَعْلَمُوا عَدْلَ اللهِ بِعِقَابِهِمْ عَلَيْهَا. وَلِيَعْتَبِرَ بِهَا فِي الدُّنْيَا مَنْ يَتَصَوَّرُ حَالَهُمْ هَذِهِ فَكَانَتِ الْبَلَاغَةُ أَنْ يَعْدِلَ هُنَا عَنْ صِيغَةِ الْمَاضِي إِلَى صِيغَةِ الْحَالِ حَتَّى يُخَيَّلَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 382
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست