responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 367
الْآيَاتِ السَّابِقَةِ - وَهُوَ كَذَلِكَ - فَلَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا مَا بِأَنْ أَوْجَبَ عَلَى عِبَادِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ، أَوْ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ، أَوْ عَزَا إِلَى دِينِهِ أَيَّ حُكْمٍ لَمْ يُنَزِّلْهُ عَلَى رُسُلِهِ، أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَيْهِمْ بِالْقَوْلِ أَوْ بِمَا هُوَ أَدَلُّ مِنْهُ وَهُوَ الِاسْتِكْبَارُ عَنِ اتِّبَاعِهَا، أَوِ الِاسْتِهْزَاءُ بِهَا، أَوْ تَفْضِيلُ غَيْرِهَا عَلَيْهَا بِالْعَمَلِ.
(أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ) فِي الْكِتَابِ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ كِتَابُ الْوَحْيِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الرُّسُلِ (وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ) وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ نَصِيبِهِمْ مِنْهُ: " مَا وُعِدُوا فِيهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ " فَإِنَّ الْكِتَابَ الْإِلَهِيَّ هُوَ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الْوَعْدَ عَلَى الْأَعْمَالِ أَيْ وَالْوَعِيدَ بِدَلِيلِ بَيَانِهِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَهُوَ عَامٌ يَشْمَلُ جَزَاءَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. (وَثَانِيهِمَا) أَنَّهُ كِتَابُ الْمَقَادِيرِ الَّذِي كَتَبَ اللهُ فِيهِ نِظَامَ الْعَالَمِ كُلِّهِ، وَمِنْهَا أَعْمَالُ الْأَحْيَاءِ الِاخْتِيَارِيَّةُ وَمَا يَبْعَثُ عَلَيْهَا مِنَ الْأَسْبَابِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمُسَبِّبَاتِ كَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ وَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ إِلَخْ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ الْمُفَصَّلُ فِيهِ فِي تَفْسِيرِ (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ) (6: 59) مِنْ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَعَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذْ قَالَ فِي تَفْسِيرِ النَّصِيبِ مِنَ الْآيَةِ: مَا قُدِّرَ لَهُمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ: مَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ، وَفَسَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ النَّصِيبَ بِالرِّزْقِ وَالْأَجَلِ وَالْعَمَلِ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَفَسَّرَهُ أَبُو صَالِحٍ وَالْحَسَنُ بِالْعَذَابِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ فَمَا وُعِدُوا بِهِ فِي كِتَابِ الدِّينِ هُوَ الَّذِي أُثْبِتَ فِي كِتَابِ الْمَقَادِيرِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي نَفْسِ النَّصِيبِ الَّذِي يَنَالُهُمْ هَلْ هُوَ خَاصٌّ بِالدُّنْيَا أَمْ بِالْآخِرَةِ أَمْ عَامٌّ فِيهِمَا؟ وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِمُوَافَقَتِهِ لِمِثْلِ قَوْلِهِ: (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ) (17: 20) وَقَوْلِهِ: (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ) (31: 24) وَبِمُوَافَقَتِهِ لِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ حَتَّى مِنَ الْغَايَةِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
(حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ) أَيْ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمُ الَّذِي كُتِبَ لَهُمْ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ حَتَّى إِذَا مَا انْتَهَى بِانْتِهَاءِ آجَالِهِمْ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ يَتَوَفَّوْنَهُمْ - وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِالتَّوَفِّي أَيْ قَبْضِ الْأَرْوَاحِ مِنَ الْأَجْسَادِ - (قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أَيْ يَسْأَلُهُمْ رُسُلُ الْمَوْتِ حَالَ كَوْنِهِمْ يَتَوَفَّوْنَهُمْ: أَيْنَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَدْعُونَهُمْ غَيْرَ اللهِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لِقَضَاءِ الْحَاجَاتِ وَدَفْعِ الْمُضِرَّاتِ؟ ادْعُوهُمْ لِيُنْجُوكُمْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ الْآنَ (قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) أَيْ قَالُوا: غَابُوا عَنَّا فَلَا نَرْجُو مِنْهُمْ مَنْفَعَةً. وَاعْتَرَفُوا بِأَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ بِدُعَائِهِمْ إِيَّاهُمْ وَزَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ عِنْدَهُ تَعَالَى كَأَعْوَانِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ وَوُزَرَائِهِمْ وَحُجَّابِهِمْ، جَاهِلِينَ أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْ ذَلِكَ بِإِحَاطَةِ عِلْمِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَأَنَّ الْمُلُوكَ وَالْأُمَرَاءَ

لَا يَسْتَغْنَوْنَ عَنِ الْأَعْوَانِ وَالْمُسَاعِدِينَ لِجَهْلِهِمْ بِأُمُورِ النَّاسِ وَعَجْزِهِمْ عَنْ مَعْرِفَتِهَا وَقَضَائِهَا بِأَنْفُسِهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ (6: 21 - 24، 93، 94) وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُبْتَدَأٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا) فَيُرَاجَعَانِ فَفِي تَفْسِيرِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا لَيْسَ فِي الْآخَرِ وَلَا هُنَا مِنَ الْفَوَائِدِ وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ فِي آخِرِ آيَةِ (144) مِنَ الْأَنْعَامِ أَيْضًا وَفَسَّرْنَا الِافْتِرَاءَ عَلَى اللهِ فِيهَا بِمِثْلِ مَا فَسَّرْنَاهُ هُنَا لِمُنَاسَبَةِ السِّيَاقِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا مِثْلُ هَذِهِ الشَّهَادَةِ مِنَ الْكُفَّارِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي آخِرِ آيَةِ (130) مِنْهَا.
(قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ) أَيْ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى أَوْ أَحَدُ مَلَائِكَتِهِ بِأَمْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِهَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ: ادْخُلُوا مَعَ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ وَمَضَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ. أَوِ ادْخُلُوا فِي ضِمْنِ أُمَمٍ مِثْلِكُمْ قَدْ سَبَقَتْكُمْ كَائِنَةٍ فِي دَارِ الْعَذَابِ. وَقُدِّمَ الْجِنُّ لِأَنَّ شَيَاطِينَهُمْ مُبْتَدِئُو الْإِضْلَالِ وَالْإِغْوَاءِ لِأَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ وَلِلْإِنْسِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) هَذَا بَيَانٌ لِشَيْءٍ مِنْ حَالَتِهِمْ فِي دُخُولِ النَّارِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَخَلُّفُهُ بَعْدَ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى بِهِ. أَيْ كُلَّمَا دَخَلَتْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فِي النَّارِ وَاسْتَقْبَلَتْ مَا فِيهَا مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ، لَعَنَتْ أُخْتَهَا فِي الدِّينِ وَالْمِلَّةِ الَّتِي ضَلَّتْ هِيَ بِاتِّبَاعِهَا وَالِاقْتِدَاءِ بِهَا فِي كُفْرِهَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ خَلِيلِهِ:
(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) (29: 25) إِلَخْ.
(حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ) أَيْ حَتَّى إِذَا تَتَابَعُوا وَأَدْرَكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَاجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ فِيهَا قَالَتْ أُخْرَى كُلٍّ مِنْهُمْ لِأُولَاهَا وَمُقَدَّمِيهَا فِي الرُّتْبَةِ وَالرِّيَاسَةِ أَوْ فِي الزَّمَنِ أَيْ لِأَجَلِهَا وَفِي شَأْنِهَا - وَإِنَّمَا الْخِطَابُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا عَنِ الْحَقِّ بِاتِّبَاعِنَا لَهُمْ وَتَقْلِيدِنَا إِيَّاهُمْ فِيمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَسَائِرِ الْأَعْمَالِ، فَأَعْطِهِمْ ضِعْفًا مِنْ عَذَابِ النَّارِ لِإِضْلَالِهِمْ إِيَّانَا فَوْقَ الْعَذَابِ عَلَى ضَلَالِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَكُونَ عَذَابُهُمْ ضِعْفَيْنِ، ضِعْفًا لِلضَّلَالِ وَضِعْفًا لِلْإِضْلَالِ.
(قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ) أَيْ يَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَى لَهُمْ: لِكُلٍّ مِنْهُمْ ضِعْفٌ مِنَ الْعَذَابِ بِإِضْلَالِهِ فَوْقَ عَذَابِهِ عَلَى ضَلَالِهِ. كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 367
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست