responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 334
وَالْوَجْهُ حِسِّيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ - فَقَوْلُهُ تَعَالَى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) مِنَ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا 30: 30) مِنَ الثَّانِي. وَالْمُرَادُ بِهِ تَوَجُّهُ الْقَلْبِ وَصِحَّةُ الْقَصْدِ؛ فَإِنَّ الْوَجْهَ يُطْلَقُ عَلَى الذَّاتِ، وَمَا هُنَا مِنَ الثَّانِي وَإِنْ وَرَدَ عَنْ بَعْضِهِمْ تَفْسِيرُهُ بِالْأَوَّلِ أَيْضًا، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ بِمَعْنَى التَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ أَيْنَمَا كَانَ. وَالْمَعْنَى أَعْطُوا تَوَجُّهَكُمْ إِلَى اللهِ تَعَالَى عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ تَعْبُدُونَهُ فِيهِ حَقَّهُ مِنْ صِحَّةِ النِّيَّةِ وَحُضُورِ الْقَلْبِ وَصَرْفِ الشَّوَاغِلِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْعِبَادَةُ طَوَافًا أَوْ صَلَاةً أَوْ ذِكْرًا أَوْ فِكْرًا - وَادْعُوهُ وَحْدَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، بِأَلَّا تَشُوبُوا دُعَاءَكُمْ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ عِبَادَتِكُمْ لَهُ بِأَدْنَى شَائِبَةٍ مِنَ الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ، وَهُوَ التَّوَجُّهُ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ عِبَادِهِ الْمُكَرَّمِينَ، كَالْمَلَائِكَةِ وَالرُّسُلِ وَالصَّالِحِينَ، وَلَا إِلَى مَا وُضِعَ لِلتَّذْكِيرِ بِهِمْ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْقُبُورِ وَغَيْرِهَا - وَلَا مِنَ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ وَهُوَ الرِّيَاءُ وَحُبُّ إِطْلَاعِ النَّاسِ عَلَى عِبَادَتِكُمْ وَالثَّنَاءِ عَلَيْكُمْ بِهَا وَالتَّنْوِيهِ بِذِكْرِكُمْ فِيهَا. وَكَانُوا يَتَوَجَّهُونَ إِلَى غَيْرِهِ مَعَهُ زَاعِمِينَ أَنَّ الْمُذْنِبَ لَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى اللهِ وَحْدَهُ وَيُقِيمَ وَجْهَهُ لَهُ حَنِيفًا، بَلْ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ الطَّاهِرِينَ الْمُكَرَّمِينَ لِيَشْفَعَ لَهُمْ عِنْدَهُ وَيُقَرِّبَهُمْ إِلَيْهِ زُلْفَى، وَهَذَا مِنْ وَسْوَاسِ الشَّيْطَانِ، وَشُبْهَتُهُمْ فِيهِ كَشُبْهَتِهِمْ فِي عَدَمِ الطَّوَافِ فِي ثِيَابٍ عَصَوْهُ فِيهَا، وَجَعْلُهُمْ هَذَا وَذَاكَ مِنَ الدِّينِ وَنِسْبَتُهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى افْتِرَاءٌ عَلَيْهِ وَقَوْلٌ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِمَّا أَوْحَاهُ إِلَى رُسُلِهِ، وَإِنَّمَا أَوْحَى إِلَيْهِمْ مَا نَطَقَتْ بِهِ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَمْثَالُهَا مِنَ الْآيَاتِ النَّاطِقَةِ بِالْأَمْرِ بِتَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ، وَالْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ - كَمَا أَمَرَ بِأَخْذِ الزِّينَةِ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَجَعَلَ الظَّاهِرَ عُنْوَانًا لِلْبَاطِنِ فِي طَهَارَتِهِ وَحُسْنِهِ مِنْ غَيْرِ رِيَاءٍ وَلَا تَكَلُّفٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى تَحَرِّي الْقِسْطِ وَالْعَدْلِ فِي كُلِّ أَمْرٍ.
(كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ) هَذَا تَذْكِيرٌ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَدَعْوَةٌ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ فِي إِثْرِ بَيَانِ أَصْلِ الدِّينِ وَمَنَاطِ الْأَمْرِ فِيهِ وَالنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي سِيَاقِ أَصْلِ تَكْوِينِ الْبَشَرِ، وَاسْتِعْدَادِهِمْ لِلْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَمَا لِلشَّيْطَانِ فِي ذَلِكَ مِنْ إِغْوَاءِ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ، وَعَدَمِ سُلْطَانِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَنْ أَبْلَغِ الْكَلَامِ الْمُعْجِزِ، فَإِنَّهَا دَعْوَى مُتَضَمِّنَةٌ لِلدَّلِيلِ بِتَشْبِيهِ الْإِعَادَةِ بِالْبَدْءِ فَهُوَ يَقُولُ:
كَمَا بَدَأَكُمْ رَبُّكُمْ خَلْقًا وَتَكْوِينًا بِقُدْرَتِهِ تَعُودُونَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - حَالَةَ كَوْنِكُمْ فَرِيقَيْنِ - فَرِيقًا هَدَاهُمْ فِي الدُّنْيَا بِبَعْثِهِ الرُّسُلَ، فَاهْتَدَوْا بِإِيمَانِهِمْ بِهِ وَإِقَامَةِ وُجُوهِهِمْ لَهُ وَحْدَهُ فِي الْعِبَادَةِ، وَدُعَائِهِ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَا يُشْرِكُونَ بِهِ أَحَدًا وَلَا شَيْئًا - وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ لِاتِّبَاعِهِمْ إِغْوَاءَ الشَّيْطَانِ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ طَاعَةِ الرَّحْمَنِ، وَكُلُّ فَرِيقٍ يَمُوتُ عَلَى مَا عَاشَ عَلَيْهِ، وَيُبْعَثُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى حَقَّتْ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ:

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 334
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست