responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 33
بِمَكْرِ زُعَمَائِهَا الْمُجْرِمِينَ، وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تَنْطَبِقُ أَتَمَّ الِانْطِبَاقِ عَلَى جَمْهَرَةِ أَكَابِرِ مَكَّةَ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ التَّنَاسُبُ وَالِاتِّصَالُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ
وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: وَجْهٍ عَامٍّ يَتَعَلَّقُ بِالْأُسْلُوبِ فِي الطَّوَائِفِ الْكَثِيرَةِ مِنْ آيَاتِ كُلِّ سِيَاقٍ، وَوَجْهٍ خَاصٍّ يَتَعَلَّقُ بِبَيَانِ كَوْنِ مُجْرِمِي مَكَّةَ الْمَاكِرِينَ الْمُبَيَّنِ حَالُهُمْ فِي الْآيَةِ الْأُولَى لَيْسُوا إِلَّا بَعْضَ أَفْرَادِ الْعَامِّ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهُوَ الْمَقْصُودُ أَوَّلًا بِالذَّاتِ مِنَ الِاعْتِبَارِ بِتِلْكَ الْقَاعِدَةِ. وَيَلِيهَا بَيَانُ سُنَّةِ اللهِ فِي الْمُسْتَعِدِّينَ لِلْإِيمَانِ وَالْهُدَى، وَغَيْرِ الْمُسْتَعِدِّينَ مَعَ ظُهُورِ الْحَقِّ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ صِرَاطُ الرَّبِّ وَجَزَاءُ سَالِكِهِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
(وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ) أَيْ وَإِذَا جَاءَتْ أُولَئِكَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ " أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا " آيَةٌ بَيِّنَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ تَتَضَمَّنُ حُجَّةً عَقْلِيَّةً ظَاهِرَةَ الدَّلَالَةِ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْهُدَى قَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ إِلَى الْأُمَمِ قَبْلَنَا. قَالَ هَذَا أَكَابِرُهُمُ الْمُجْرِمُونَ، وَرُؤَسَاؤُهُمُ الْمَاكِرُونَ، وَتَبِعَهُمْ عَلَيْهِ الْغَوْغَاءُ الْمُقَلِّدُونَ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِيهِ: يَعْنُونَ حَتَّى يُعْطِيَهُمُ اللهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مِثْلَ الَّذِي أُعْطِيَ مُوسَى مِنْ فَلْقِ الْبَحْرِ وَعِيسَى مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ، وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أَيْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الْمَلَائِكَةُ مِنَ اللهِ بِالرِّسَالَةِ كَمَا تَأْتِي إِلَى الرُّسُلِ. كَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا) (25: 21) الْآيَةَ. فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا إِذَا أُوتُوا عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ الَّتِي يُؤَيِّدُهُ اللهُ بِهَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ أُولَئِكَ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. وَمَعْنَى الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ مُؤْمِنِينَ بِالرِّسَالَةِ مُطْلَقًا إِلَّا إِذَا صَارُوا رُسُلًا يُوحَى إِلَيْهِمْ، وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ: (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ صَحِيحًا وَاقِعًا. قَرَأَ " رِسَالَتَهُ " (بِالْإِفْرَادِ) ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ عَنْ نَافِعٍ، وَقَرَأَهَا الْبَاقُونَ رِسَالَاتِهِ (بِالْجَمْعِ) أَيْ رِسَالَاتِهِ إِلَى رُسُلِهِ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ كَلَامِ اللهِ تَعَالَى رَدٌّ عَلَيْهِمْ وَبَيَانٌ لِجَهَالَتِهِمْ، يَنْتَظِرُهُ السَّامِعُ وَالْقَارِئُ بَعْدَ حِكَايَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِمْ. وَبِالْوَقْفِ قَبْلَهُ تَامٌّ لِأَنَّهُ آخِرُ قَوْلِهِمُ الْمَحْكِيِّ عَنْهُمْ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: أَيْ هُوَ أَعْلَمُ حَيْثُ يَضَعُ رِسَالَتَهُ وَمَنْ يَصْلُحُ لَهَا مِنْ خَلْقِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ) (43: 31، 32) الْآيَةَ. يَعْنُونَ لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ عَظِيمٍ كَبِيرٍ
جَلِيلٍ مُبَجَّلٍ فِي أَعْيُنِهِمْ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ، أَيْ مَكَّةَ وَالطَّائِفَ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ - قَبَّحَهُمُ اللهُ - كَانُوا يَزْدَرُونَ الرَّسُولَ - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - بَغْيًا وَحَسَدًا وَعِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُ: (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ) (21: 36)

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 33
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست