responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 310
أَنْ تَكُونَا بِالْأَكْلِ مِنْهَا مَلَكَيْنِ، أَيْ كَالْمَلَكَيْنِ فِيمَا أُوتِيَ الْمَلَائِكَةُ مِنَ الْخَصَائِصِ كَالْقُوَّةِ وَطُولِ الْبَقَاءِ وَعَدَمِ التَّأَثُّرِ بِفَوَاعِلِ الْكَوْنِ الْمُؤْلِمَةِ وَالْمُتْعِبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ كَثِيرٍ " مَلِكَيْنِ " بِكَسْرِ اللَّامِ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ الزَّجَّاجُ بِمَا حَكَاهُ تَعَالَى عَنِ الشَّيْطَانِ فِي سُورَةِ طَهَ بِقَوْلِهِ: (قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى) (20: 120) وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْقِرَاءَةُ شَاذَّةٌ - أَوِ اتِّقَاءِ أَنْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ فِي الْجَنَّةِ، أَوِ الَّذِينَ لَا يَمُوتُونَ أَلْبَتَّةَ. وَأَوْهَمَهُمَا أَنَّ الْأَكْلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يُعْطِي الْآكِلَ صِفَةَ الْمَلَائِكَةِ وَغَرَائِزَهُمْ وَيَقْتَضِي الْخُلُودَ فِي الْحَيَاةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى آدَمَ، وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ وَالْكُرْسِيِّ وَالْعَرْشِ مِنَ الْعَالِينَ وَالْمُقَرَّبِينَ دُونَ مَلَائِكَةِ الْأَرْضِ الْمُسَخَّرِينَ لِتَدْبِيرِ أُمُورِهَا الَّذِينَ كَانَ مَعْنَى سُجُودِهِمْ لَهُ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لِنَوْعِهِ جَمِيعَ قُوَى الْأَرْضِ وَعَوَالِمِهَا - وَذَكَرَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ أَنَّهَا أَحَدُ الدَّلَائِلِ عَلَى كَوْنِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ سَجَدُوا لِآدَمَ هُمْ مَلَائِكَةُ الْأَرْضِ فَقَطْ، وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى عَدَمِ سُجُودِ جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِإِبْلِيسَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ: (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ) (38: 75) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَالِينَ خَوَاصُّ الْمَلَائِكَةِ.
(وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) ادَّعَى اللَّعِينُ أَنَّهُ نَاصِحٌ لَهُمَا فِيمَا رَغَّبَهُمَا فِيهِ مِنَ الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ. وَلَمَّا كَانَ مَحَلَّ الظَّنَّةِ فِي نُصْحِهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَهُمَا بِأَنَّهُ عَدُوٌّ لَهُمَا. أَكَّدَ دَعْوَاهُ بِأَشَدِّ الْمُؤَكِّدَاتِ وَأَغْلَظِهَا، وَهِيَ الْقَسَمُ وَإِنَّ وَاللَّامُ وَتَقْدِيمُ (لَكُمَا) عَلَى مُتَعَلَّقِهِ الدَّالُّ عَلَى الْحَصْرِ. وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: وَأَقْسَمَ لَهُمَا؛ فَإِنَّ الْمُقَاسَمَةَ تَدُلُّ عَلَى الْمُشَارَكَةِ كَقَاسَمَهُ الْمَالَ، أَيْ أَخَذَ كُلٌّ مِنْهُمَا قِسْمًا، وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي الصِّيغَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ صِيغَةَ فَاعَلَ وَرَدَتْ لِلْمُفْرَدِ كَثِيرًا وَهَذَا مِنْهَا فَمَعْنَاهُ: وَحَلَفَ لَهُمَا، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِقَوْلِ خَالِدِ بْنِ زُهَيْرٍ:
وَقَاسَمَهَا بِاللهِ جَهْدًا لَأَنْتُمْ أَلَذُّ ... مِنَ السَّلْوَى إِذَا مَا نَشُورُهَا
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا عَلَى أَصْلِهَا وَوَجَّهُوهُ بِوُجُوهٍ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِمْ: إِنَّهُمَا أَقْسَمَا لَهُ أَنَّهُمَا يَقْبَلَانِ نَصِيحَتَهُ إِذَا أَقْسَمَ أَنَّهُ نَاصِحٌ: وَقَوْلُهُمْ: إِنَّهُمَا طَلَبَا مِنْهُ
الْقَسَمَ فَجَعَلَ طَلَبَهُمَا الْقَسَمَ كَالْقَسَمِ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ مِثْلُ هَذَا بِالنَّقْلِ عَنِ الْمَعْصُومِ، وَلَوْ قِيلَ إِنَّهُ هُوَ الَّذِي عَرَضَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُقْسِمَ لَهُمَا وَطَلَبَ مِنْهُمَا أَنْ يُقْسِمَا لَهُ وَبَنَى قَسَمَهُ عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْمَأْلُوفِ.
(فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ) دَلَّى الشَّيْءَ تَدْلِيَةً - أَرْسَلَهُ إِلَى الْأَسْفَلِ رُوَيْدًا رُوَيْدًا لِأَنَّ فِي الصِّيغَةِ مَعْنَى التَّدْرِيجِ أَوِ التَّكْثِيرِ - أَيْ فَمَا زَالَ يَخْدَعُهُمَا بِالتَّرْغِيبِ فِي الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ، وَالْقَسَمِ عَلَى أَنَّهُ نَاصِحٌ بِذَلِكَ لَهُمَا بِهِ حَتَّى أَسْقَطَهُمَا وَحَطَّهُمَا عَمَّا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ سَلَامَةِ الْفِطْرَةِ وَطَاعَةِ الْفَاطِرِ بِمَا غَرَّهُمَا بِهِ، وَالْغُرُورُ الْخِدَاعُ بِالْبَاطِلِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْغِرَّةِ (بِالْكَسْرِ) وَالْغَرَارَةِ (بِالْفَتْحِ) وَهُمْ بِمَعْنَى الْغَفْلَةِ وَعَدَمِ التَّجْرِبَةِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ بِالتَّفْصِيلِ فِي تَفْسِيرِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 310
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست