responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 287
وَلِهَذَا الْخِلَافِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ: (أَحَدُهَا) اخْتِلَافُ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ عَنِ السَّلَفِ وَأَكْثَرُهَا لَا يَصِحُّ وَلَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ فِي الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ فَضْلًا عَنِ الْمَسَائِلِ الِاعْتِقَادِيَّةِ.
(ثَانِيهَا) الِاخْتِلَافُ فِي فَهْمِهَا.
(ثَالِثُهَا) الرَّأْيُ وَالتَّخَيُّلُ وَالْقِيَاسُ مَعَ الْفَارِقِ فَإِنَّ الْخَلَفَ مِنَ الْمُنْتَمِينَ إِلَى مَذَاهِبِ السُّنَّةِ خَاضُوا فِيمَا خَاضَ فِيهِ غَيْرُهُمْ مِنْ تَحْكِيمِ الرَّأْيِ فِي أُمُورِ الْغَيْبِ، فَالْمُعْتَزِلَةُ أَخْطَئُوا فِي قِيَاسِ عَالَمِ الْغَيْبِ عَلَى عَالَمِ الشَّهَادَةِ وَإِنْكَارِ وَزْنِ الْأَعْمَالِ بِحُجَّةِ أَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تُوزَنُ وَأَنَّ عِلْمَ اللهِ بِهَا يُغْنِي عَنْ وَزْنِهَا، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ بَعْضُ الْمُنْتَمِينَ إِلَى السُّنَّةِ رَدًّا مَبْنِيًّا عَلَى أَسَاسِ مَذْهَبِهِمْ فِي قِيَاسِ عَالَمِ الْغَيْبِ عَلَى عَالَمِ الشَّهَادَةِ، وَتَطْبِيقِ أَخْبَارِ الْآخِرَةِ عَلَى الْمَعْهُودِ الْمَأْلُوفِ فِي الدُّنْيَا فَزَعَمُوا أَنَّ الْأَعْمَالَ تَتَجَسَّدُ وَتُوزَنُ أَوْ تُوضَعُ فِي صُوَرٍ مُجَسَّمَةٍ أَوْ أَنَّ الصَّحَائِفَ الَّتِي تُكْتَبُ فِيهَا الْأَعْمَالُ هِيَ الَّتِي تُوزَنُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا كَصَحَائِفَ الدُّنْيَا إِمَّا رِقٌّ (جِلْدٌ) وَإِمَّا وَرَقٌّ.
وَالْأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ فِي الْإِيمَانِ بِعَالَمِ الْغَيْبِ أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ مِنْ أَخْبَارِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهِ، نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نُحَكِّمُ رَأْيَنَا فِي صِفَتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ. فَنُؤْمِنُ إِذًا بِأَنَّ فِي الْآخِرَةِ وَزْنًا لِلْأَعْمَالِ قَطْعًا، وَنُرَجِّحُ أَنَّهُ بِمِيزَانٍ يَلِيقُ بِذَلِكَ الْعَالَمِ يُوزَنُ بِهِ الْإِيمَانُ وَالْأَخْلَاقُ وَالْأَعْمَالُ، لَا نَبْحَثُ عَنْ صُورَتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَلَا عَنْ كِفَّتَيْهِ إِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فِيهِمَا كَمَا صَوَّرَهُ الشَّعَرَانِيُّ فِي مِيزَانِهِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ تَأْثِيرِهَا فِي النَّفْسِ مِنْ تَزْكِيَةٍ أَوْ تَدْسِيَةٍ وَهُوَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جُلُّ الْجَزَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ. وَإِذَا كَانَ الْبَشَرُ قَدِ اخْتَرَعُوا مَوَازِينَ لِلْأَعْرَاضِ كَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ، أَفَيَعْجَزُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عَنْ وَضْعِ مِيزَانٍ لِلْأَعْمَالِ النَّفْسِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ بِمَا أَحْدَثَتْهُ فِي الْأَنْفُسِ مِنَ الْأَخْلَاقِ وَالصِّفَاتِ؟ ! وَالنَّقْلُ وَالْعَقْلُ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ الْجَزَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ بِصِفَاتِ النَّفْسِ الثَّابِتَةِ لَا بِمُجَرَّدِ مَا كَانَ سَبَبًا لَهَا مِنَ الْحَرَكَاتِ وَالْأَعْرَاضِ الزَّائِلَةِ: قَالَ تَعَالَى: (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (6: 139) وَقَالَ فِي سُورَةِ الشَّمْسِ: (وَنَفْسٍ وَمَا سِوَاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مِنْ
دَسَّاهَا) (91: 7 - 10) وَفِي سُورَةِ الْأَعْلَى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (87: 14، 15) وَقَدْ حَقَّقْنَا هَذَا الْبَحْثَ فِي مَوَاضِعَ مِنَ التَّفْسِيرِ آخِرُهَا تَفْسِيرُ خَاتِمَةِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ حِكْمَةَ وَزْنِ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْحِسَابِ أَنَّهُ يَكُونُ أَعْظَمُ مَظْهَرٍ لِعَدْلِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أَيْ لِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعَظَمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، إِذْ يَرَى فِيهِ عِبَادُهُ أَفْرَادًا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 287
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست