responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 269
ابْتِدَاءً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَلَوْ رَأَى مِثْلَ هَذَا الْبَيَانِ ابْنُ كَثِيرٍ لَمَا ضَعَّفَ هَذَا الْوَجْهَ إِذْ نَقَلَهُ مُوجَزًا مُجْمَلًا عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ، وَقَدْ رَجَّحَ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ حِكْمَةَ ذِكْرِ هَذِهِ الْحُرُوفِ بَيَانُ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ بِالْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ الْمُفْرَدَةِ الَّتِي يَتَأَلَّفُ مِنْهَا جَمِيعُ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ، وَقَدْ أَطْنَبَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ مِنْ مُفَسِّرِي عُلَمَاءِ الْبَلَاغَةِ الزَّمَخْشَرِيُّ وَتَلَاهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَاخْتَارَهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ فَيُرَاجَعُ فِي مَحَلِّهِ.
(كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) إِذَا قِيلَ إِنَّ (المص) اسْمٌ لِلسُّورَةِ فَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (كِتَابٌ) وَإِلَّا فَهَذَا خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ ذَلِكَ كِتَابٌ كَقَوْلِهِ: (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ) (2: 1، 2) وَتَنْكِيرُ (كِتَابٌ) لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّفْخِيمِ، وَالْمُرَادُ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي جُمْلَةُ الْقُرْآنِ الْمُشَارُ إِلَى بَعْضِهِ الْمُنَزَّلُ بِالْفِعْلِ، وَجُمْلَةُ (أُنْزِلَ إِلَيْكَ) صِفَةٌ لَهُ دَالَّةٌ عَلَى كَمَالِ تَعْظِيمِ قَدْرِهِ وَقَدْرِ مَنْ أُنْزِلَ إِلَيْهِ؛ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي كَانَ بَدْءُ نُزُولِهِ فِيهَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَإِنَّمَا قِيلَ: (أُنْزِلَ) وَلَمْ يَقُلْ أَنْزَلَ اللهُ أَوْ أَنْزَلْنَاهُ إِيجَازًا مُؤْذِنًا بِأَنَّ الْمُنْزِلَ مُسْتَغْنٍ عَنِ التَّعْرِيفِ، وَعَنْ إِسْنَادِهِ إِلَى الضَّمِيرِ أَوِ الِاسْمِ الصَّرِيحِ، فَإِنَّ هَذَا الْكِتَابَ الْبَدِيعَ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ الْعَرْشِ الرَّفِيعِ (فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) حَرَجُ الصَّدْرِ ضِيقُهُ وَغَمُّهُ وَهُوَ مِنَ الْحَرَجَةِ الَّتِي هِيَ مُجْتَمَعُ
الشَّجَرِ الْمُشْتَبِكِ الْمُلْتَفِّ الَّذِي لَا يَجِدُ السَّالِكُ فِيهِ سَبِيلًا وَاضِحًا يَنْفُذُ مِنْهُ، أَوِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ، وَقَدْ فَسَّرَ الْحَرَجَ هُنَا بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدِ تَفْسِيرُهُ بِالشَّكِّ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ وَعَزَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ إِلَى مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ. وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّ الشَّكَّ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ حَرَجِ الصَّدْرِ وَضِيقِ الْقَلْبِ. وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مِثْلِهِ فِي الْأَنْعَامِ (الْآيَةِ 125) وَقَالَ الرَّاغِبُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ قِيلَ: هِيَ نَهْيٌ. وَقِيلَ: دُعَاءٌ. وَقِيلَ: حُكْمٌ مِنْهُ نَحْوَ (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (94: 1) اهـ. وَالنَّهْيُ أَوِ الدُّعَاءُ عَنْ أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ فِي نَفْسِهِ، وَبِحَسْبِ سُنَنِ اللهِ وَنِظَامِ الْأَسْبَابِ فِي خَلْقِهِ، وَالْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَحُولَ دُونَ وُقُوعِهِ مَانِعٌ كَعِنَايَةِ اللهِ وَتَأْيِيدِهِ؛ فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أَمْرٌ عَظِيمٌ بَلْ هُوَ أَعْظَمُ شَأْنٍ بَيْنَ اللهِ تَعَالَى وَبَيْنَ عِبَادِهِ وَقَدْ كَانَ فِي أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) (73: 5) ثُمَّ نَزَلَ فِي تَفْسِيرِهِ: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (59: 21) وَكَانَ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ الْوَحْيُ وَهُوَ يَتَفَصَّدُ عَرَقًا، وَكَانَ يَكَادُ يَهِيمُ بِشِدَّةِ وَقْعِهِ وَعِظَمِ تَأْثِيرِهِ حَتَّى يَكَادَ يُلْقِيَ بِنَفْسِهِ مِنْ شَاهِقِ الْجَبَلِ، وَأَيُّ قَلْبٍ يَحْتَمِلُ وَصَدْرٍ يَتَّسِعُ لِكَلَامِ اللهِ الْعَظِيمِ، يَنْزِلُ بِهِ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، إِذَا لَمْ يَتَوَلَّ سُبْحَانَهُ بِفَضْلِهِ شَرْحَهُ وَإِعَانَتَهُ عَلَى

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 269
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست