responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 26
(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) قَرَأَ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ (مَيْتًا) بِسُكُونِ الْيَاءِ وَنَافِعُ وَيَعْقُوبُ بِتَشْدِيدِهَا،
وَالتَّشْدِيدُ أَصَلُ التَّخْفِيفِ الَّذِي حُذِفَتْ فِيهِ الْيَاءُ الثَّانِيَةُ الْمُنْقَلِبَةُ عَنِ الْوَاوِ فِي التَّشْدِيدِ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ، وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ دَاخِلَةٌ عَلَى جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ لِلْعَلَمِ بِهَا مِنَ السِّيَاقِ (وَهُوَ مِنْ لَطَائِفِ الْإِيجَازِ) عَطَفَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ: " وَمَنْ كَانَ مَيْتًا " وَالتَّقْدِيرُ: أَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ كَأُولَئِكَ الشَّيَاطِينِ أَوْ كَأَوْلِيَائِهِمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَكُمْ بِمَا أَوْحَوْهُ إِلَيْهِمْ مِنْ زُخْرُفِ الْقَوْلِ الَّذِي غَرُّوهُمْ بِهِ، وَمَنْ كَانَ مَيْتًا بِالْكُفْرِ وَالْجَهْلِ فَأَحْيَيْنَاهُ بِالْإِيمَانِ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ - وَهُوَ نُورُ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ وَالْهِدَايَةِ بِالْآيَاتِ - إِلَى الْعِلْمِ النَّظَرِيِّ. كَمَنْ مَثَلُهُ أَيْ كَمَنْ صِفَتُهُ وَنَعْتُهُ الَّذِي يُمَثِّلُ حَالَهُ هُوَ أَنَّهُ خَابِطٌ فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَالتَّقْلِيدِ الْأَعْمَى وَفَسَادِ الْفِطْرَةِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا. لِأَنَّهَا قَدْ أَحَاطَتْ بِهِ وَأَلِفَتْهَا نَفْسُهُ فَلَمْ يَعُدْ يَشْعُرُ بِالْحَاجَةِ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا إِلَى النُّورِ، بَلْ رُبَّمَا يَشْعُرُ بِالتَّأَلُّمِ مِنْهُ فَهُوَ بِإِزَاءِ النُّورِ الْمَعْنَوِيِّ كَالْخُفَّاشِ بِإِزَاءِ النُّورِ الْحِسِّيِّ هَذَا التَّقْدِيرُ لِلْجُمْلَةِ الِاسْتِفْهَامِيَّةِ الْمَحْذُوفَةِ هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ بَعْضُ الْمُدَقِّقِينَ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ مَا هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي يَصِلُ الْآيَةَ بِمَا قَبِلَهَا مُبَاشَرَةً وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ: أَطَاعَةُ هَؤُلَاءِ الْمُتَّبِعِينَ لِوَحْيِ الشَّيَاطِينِ، كَطَاعَةِ وَحْيِ اللهِ تَعَالَى وَهُوَ النُّورُ الْمُبِينُ، وَمَنْ كَانَ مَيْتًا بِالْكُفْرِ وَالشِّرْكِ فَأَحْيَيْنَاهُ بِالْإِيمَانِ، وَكَانَ مُتَسَكِّعًا فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَالْغَبَاوَةِ وَتَقْلِيدِ أَهْلِ الضَّلَالِ فَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْمُؤَيَّدَةِ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ، يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ فِي دِينِهِ وَآدَابِهِ وَمُعَامَلَاتِهِ لِلنَّاسِ، كَمَنْ مَثَلُهُ الْمُبَيِّنُ لِحَقِيقَةِ حَالِهِ كَمَثَلِ السَّائِرِ فِي ظُلُمَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ - ظُلْمَةُ اللَّيْلِ وَظُلْمَةُ السَّحَابِ وَظُلْمَةُ الْمَطَرِ؟ وَفَسَّرَ بَعْضُهُمُ النُّورَ بِالدِّينِ وَالْإِسْلَامِ، وَالْمِصْدَاقُ وَاحِدٌ، وَالْعِبْرَةُ فِي هَذَا الْمَثَلِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ بِأَنْ يَكُونَ حَيًّا عَالِمًا عَلَى بَصِيرَةٍ فِي دِينِهِ وَأَعْمَالِهِ وَحُسْنِ سِيرَتِهِ فِي النَّاسِ، وَقُدْوَةً لَهُمْ فِي الْفَضَائِلِ وَالْخَيْرَاتِ، وَحُجَّةً عَلَى فَضْلِ دِينِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَعُلُوِّ آدَابِهِ عَلَى جَمِيعِ الْآدَابِ.
هَذَا الْمَثَلُ عَامٌّ يَشْمَلُ كُلَّ مَنْ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ التَّنْزِيلِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي رَجُلَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا، وَالْمُرَادُ - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ نَزَلَ فِي ضِمْنِ السُّورَةِ صَادِقًا عَلَيْهِمَا ظَاهِرًا فِيهِمَا أَتَمَّ الظُّهُورِ، فَإِنَّ السُّورَةَ نَزَلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَنِ اسْتَثْنَى مِنْهَا بَعْضَ آيَاتٍ لَمْ يَذْكُرُوا هَذِهِ الْآيَةَ مِنْهَا وَإِلَّا لَكَانَ شُمُولُهُ مِنْ بَابِ قَاعِدَةِ: الْعِبْرَةُ
بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، عَلَى أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلَيْنِ وَاخْتِلَافُهُمَا يُرَجِّحُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ إِرَادَةِ صِدْقِ الْمَثَلِ عَلَيْهِمَا، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَالضَّحَّاكِ أَنَّ الْأَوَّلَ صَاحِبَ النُّورِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ الْأَوَّلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ كَذَا فِي

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 26
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست