responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 202
آيَاتُ اللهِ فِي الْمُسْلِمِينَ وَالرَّجَاءُ بَعْدَ الْيَأْسِ:
لَمْ يَبْقَ بَعْدَ هَذَا مُتَّكَأٌ وَلَا مَلْجَأٌ يَأْوِي إِلَيْهِ الْغُرُورُ، وَلَا مَنْفَذٌ يَتَسَرَّبُ مِنْهُ الْأَمَلُ، عَلَى مَا هُوَ الْمَأْلُوفُ وَالْمَعْهُودُ فِي عُرْفِ الدُّوَلِ. هُنَالِكَ يَئِسَ الضُّعَفَاءُ، وَاسْتَسْلَمُوا لِلْأَعْدَاءِ. وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُرِيَ الْمُسْلِمِينَ بَعْضَ آيَاتِ عِنَايَتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى كُفْرِ الْيَائِسِينَ مِنْ رُوحِهِ وَضَلَالِ الْقَانِطِينَ مِنْ رَحْمَتِهِ. فَأُلْهِمَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْعَزَائِمِ مِنْ قُوَّادِ الدَّوْلَةِ فِي الْأَنَاضُولِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْحَيَاةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْتَقِرَ الْمَوْتَ. وَأَنَّ كُلَّ مِيتَةٍ يَمُوتُهَا الْإِنْسَانُ، فَهِيَ أَشْرَفُ مِنَ الِاسْتِحْذَاءِ، وَالْمَهَانَةِ بِالِاسْتِسْلَامِ لِلْأَعْدَاءِ. وَأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يَنْصُرُ الْفِئَةَ الْقَلِيلَةَ الْمُعْتَصِمَةَ بِالْحَقِّ وَالصَّبْرِ، عَلَى الْفِئَةِ الْكَثِيرَةِ الْمُعْتَدِيَةِ بِالْبَاطِلِ وَالْبَغْيِ، فَأَلَّفُوا جَمْعِيَّةً وَطَنِيَّةً وَضَعُوا لَهَا مِيثَاقًا تَوَاثَقُوا عَلَى أَنْ يُقَاتِلُوا فِي سَبِيلِهِ إِلَى أَنْ يُطَهِّرُوا جَمِيعَ الْبِلَادِ التُّرْكِيَّةِ مِنَ الِاحْتِلَالِ الْأَجْنَبِيِّ فَتَكُونَ مُسْتَقِلَّةً خَالِصَةً لِأَهْلِهَا. وَقَدْ كَانَتْ جُيُوشُ الِاحْتِلَالِ فِي بِلَادِهِمْ مُؤَلَّفَةً مِنَ الْإِنْكِلِيزِ وَالْفَرَنْسِيسِ وَالطَّلْيَانِ وَالْيُونَانِ، فَأَقْدَمُوا عَلَى مُقَاوَمَةِ هَذِهِ الدُّوَلِ الظَّافِرَةِ بِفِئَةٍ قَلِيلَةٍ مِنْ جُنْدِ الْأَنَاضُولِ وَحْدَهُ قَدْ أَنْهَكَتْهُ الْحَرْبُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً مُتَوَالِيَةً، فَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنْ بِلَادِ الرُّومَلِلِّي تُرْكِيَا عَلَى رَأْيِهِمْ قَدْ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ بِالْآسِتَانَةِ الَّتِي نُزِعَ سِلَاحُهَا وَاحْتَلَّتْهَا هَذِهِ الدُّوَلُ بَرًّا وَبَحْرًا. وَقَدْ كَانَ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَحُجَجِهِ عَلَى الْيَائِسِينَ أَنْ كَانَ الْفَلْجُ وَالظَّفَرُ لِهَذِهِ الْفِئَةِ الْقَلِيلَةِ مِنْ بَقَايَا الْجَيْشِ الْعُثْمَانِيِّ الْكَبِيرِ الْمُؤَلَّفِ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الْعُثْمَانِيَّةِ، الَّذِي فَشَلَ مَعَ أَعْظَمِ جَيْشٍ وُجِدَ عَلَى ظَهْرِ هَذِهِ الْأَرْضِ قُوَّةً وَسِلَاحًا وَنِظَامًا وَهُوَ فِي أَوْجِ انْتِصَارِهِ - أَعْنِي الْجَيْشَ الْأَلْمَانِيَّ -.
ذَلِكَ بِأَنَّ الْجَيْشَ الْعُثْمَانِيَّ الْكَبِيرَ كَانَ يَتَوَلَّى أَمْرَهُ غُلَاةُ الْعَصَبِيَّةِ الطُّورَانِيَّةِ مِنَ الِاتِّحَادِيِّينَ الْمَغْرُورِينَ بِمَا لُقِّنُوا مِنْ دَسَائِسَ السِّيَاسَةِ الِاسْتِعْمَارِيَّةِ، وَخِدَاعِ
الْمَاسُونِيَّةِ، وَالْجَاهِلِينَ بِقُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَعِزَّتِهِ، وَحَقِيقَتِهِ. فَبَثُّوا دَعْوَةَ الْكُفْرِ وَأَبَاحُوا كَبَائِرَ الْفِسْقِ. وَفَرَّقُوا الْكَلِمَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ. وَفَتَكُوا بِالْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ بَعْدَ أَنْ جَنَّدُوا مِنْهَا زُهَاءَ خَمْسِمِائَةِ أَلْفِ جُنْدٍ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِهِمْ. فَقَتَلُوا وَصَلَبُوا شَبَابَهَا وَكُهُولَهَا النَّابِغِينَ. وَنَفَوُا الْوِلْدَانَ وَالنِّسَاءَ وَالشُّيُوخَ الْعَاجِزِينَ. فَمَهَّدُوا السَّبِيلَ لِثَوْرَةِ الْحِجَازِ. وَخَسِرُوا مَا لِلْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْقُوَّةِ الْعَسْكَرِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ الْقُصْوَى إِلَى الِاتِّحَادِ، فَأَنَّى يَنْتَصِرُونَ أَوْ يَنْتَصِرُ بِهِمْ مَنْ يُحَالِفُونَ؟ .
وَأَمَّا جَيْشُ الْأَنَاضُولِ الَّذِي أَيَّدَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى قِلَّتِهِ، فَإِنَّهُ يُدَافِعُ عَنِ الْحَقِّ وَالْحَقِيقَةِ، وَقَدْ أَحْسَنَ زَعِيمُهُ الْأَكْبَرُ (مُصْطَفَى كَمَال بَاشَا) أَنَّهُ لَمْ يَسْمَحْ لِأَحَدٍ مِنْ زُعَمَاءِ أُولَئِكَ الْغُلَاةِ بِدُخُولِ الْأَنَاضُولِ فِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ لِئَلَّا يُفْسِدُوا عَلَى الْبِلَادِ أَمْرَهَا، عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ عَرَفُوا خَطَأَهُمْ وَضَلَالَهُمْ مِنَ الْوُجْهَةِ السِّيَاسِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَعَرَفُوا قِيمَةَ الرَّابِطَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ. فَطَفِقُوا يَسْعَوْنَ إِلَى جَمْعِ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالتَّأْلِيفِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبِلْشِفِيِّينَ الرُّوسِيِّينَ، لِلِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ عَلَى

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 202
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست