responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 187
وَلِلْأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَأَمْثَالِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ جِدَالٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، يَسْتَدِلُّ الْمُعْتَزِلَةُ بِهَا عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَنْفَعُ بِدُونِ عَمَلِ الْخَيْرِ، وَيَمْنَعُ ذَلِكَ الْآخَرُونَ، وَلَا مَجَالَ فِي الْآيَةِ لِلْجَدَلِ عِنْدَ مُسْتَقِلِّي الْفِكْرِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ الْقُرْآنَ فَوْقَ الْمَذَاهِبِ، فَإِنَّ مَعْنَاهَا لَا يَعْدُو مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَهُوَ أَنَّ مُشَاهَدَةَ بَعْضِ آيَاتِ الرَّبِّ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيعِ الْبَشَرِ كَمُشَاهَدَةِ الْآخِرَةِ قُبَيْلَ خُرُوجِ الرُّوحِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَفْرَادِ مِنْهُمْ: لَا يَنْفَعُ الْكَافِرَ حِينَئِذٍ الرُّجُوعُ عَنِ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَلَا يَنْفَعُ الْعَاصِيَ التَّوْبَةُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالرُّجُوعُ إِلَى الطَّاعَةِ. وَالتَّحْقِيقُ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ بِالشَّرْعِ فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ، أَنَّ الْإِيمَانَ الصَّحِيحَ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ - وَهُوَ إِيمَانُ الْإِذْعَانِ وَالْقَبُولِ - يَسْتَلْزِمُ الْعَمَلَ بِمَا جَاءَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ دُونَ التَّفْصِيلِ الشُّمُولِيِّ، فَيَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يَتْرُكَ الْمُؤْمِنُ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ أَوْ يَرْتَكِبَ بَعْضَ الْمُحَرَّمَاتِ لِأَسْبَابٍ تَعْرِضُ لَهُ وَلَكِنَّهُ يُؤَاخِذُ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَتُوبُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) (4: 17) وَكَمَا قَالَ: (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (3: 135) وَقَدْ يُؤْمِنُ وَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ الْعَمَلِ، وَمَا أَظُنُّ أَنَّهُ يُوجَدُ عَاقِلٌ يَخْتَلِفُ فِي نَجَاةِ مِثْلِ هَذَا بِمُجَرَّدِ الْإِيمَانِ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا أَلَّا يُبَالِيَ الْمُؤْمِنُ مِنَ الذَّعَنِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، بِحَيْثُ يَتْرُكُ الْفَرَائِضَ وَيَرْتَكِبُ الْكَبَائِرَ بِغَيْرِ جَهَالَةٍ عَارِضَةٍ، بِلَا خَوْفٍ وَلَا حَيَاءٍ مِنَ اللهِ وَلَا اهْتِمَامٍ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَيُصِرُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ يَعْلَمُ حُكْمَ اللهِ فِيهِ. وَلَيْسَ لِاسْتِحْلَالِ مَا ذُكِرَ مَعْنًى غَيْرُ هَذَا، وَالْمُسْتَحِلُّ لِمِثْلِ هَذَا كَافِرٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَالْمُعْتَزِلَةِ.
قَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)
أَيِ انْتَظِرُوا أَيُّهَا الْكُفَّارُ الْمُعَانِدُونَ مَا تَتَوَقَّعُونَ إِتْيَانَهُ وَوُقُوعَهُ بِنَا وَاكْتِفَاءَ أَمْرِ الْإِسْلَامِ بِهِ، إِنَّا مُنْتَظِرُونَ وَعْدَ رَبِّنَا لَنَا وَوَعِيدَهُ لَكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (10: 102) أَوِ انْتَظِرُوا مَا لَيْسَ أَمَامَكُمْ سَوَاءٌ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَجْهَلُونَهُ وَلَا تُفَكِّرُونَ فِيهِ وَهُوَ هَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ إِنَّا مُنْتَظِرُوهَا عَلَى عِلْمٍ وَإِيمَانٍ - وَهِيَ مَجِيءُ الْمَلَائِكَةِ لِقَبْضِ أَرْوَاحِ الْأَفْرَادِ، أَوْ إِتْيَانُ الرَّبِّ تَعَالَى - أَيْ أَمْرُهُ - بِمَا وَعَدَنَا مِنَ النَّصْرِ، وَأَوْعَدَكُمْ مِنَ الْخِزْيِ وَالْخُسْرِ، أَوْ إِتْيَانُهُ تَعَالَى لِحِسَابِ الْخَلْقِ، أَوْ إِتْيَانُ بَعْضِ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى تَصْدِيقِ رَسُولِهِ قُبَيْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ. . . وَهَذَا الْأَمْرُ يَتَضَمَّنُ التَّهْدِيدَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (11: 121، 122)

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 187
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست