responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 182
حُقُوقِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ. عَائِشِينَ فِي وَسَطٍ خَالٍ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ الَّتِي تُفْسِدُ الْأَخْلَاقَ وَتُوَلِّدُ الْأَمْرَاضَ. وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ بِهِ فَهُوَ رَحْمَةٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ جَمِيعًا، هَكَذَا كَانَ وَهَكَذَا يَكُونُ. وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَالْمُؤْمِنُونَ قَلِيلُونَ مُضْطَهَدُونَ، وَالْجَمَاهِيرُ مُكَذِّبُونَ، وَالرُّؤَسَاءُ يَصُدُّونَ عَنِ الْكِتَابِ وَيَصْدِفُونَ.
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْهَا) الِاسْتِفْهَامُ هُنَا إِنْكَارِيٌّ، أَيْ وَإِذَا كَانَتْ آيَاتُ اللهِ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْبَيِّنَةِ الْكَامِلَةِ وَالْهِدَايَةِ الشَّامِلَةِ وَالرَّحْمَةِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، فَلَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِهَا وَأَعْرَضَ عَنْهَا وَلَمْ يَكْتَفِ بِصُدُوفِهِ عَنْهَا وَحِرْمَانِ نَفْسِهِ مِنْهَا، بَلْ صَدَفَ النَّاسَ، أَيْ صَرَفَهُمْ وَرَدَّهُمْ أَيْضًا، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ كُبَرَاءُ مُجْرِمِي قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ فِي أَثْنَاءِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ: كَانُوا يَصْدِفُونَ الْعَرَبَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَحُولُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا مِنْهُ الْقُرْآنَ، فَيَنْجَذِبُوا إِلَى الْإِيمَانِ، كَمَا قَالَ: (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (26) وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ. فَصَدَفَ بِمَعْنَى صَدَّ، وَاسْتُعْمِلَ مِثْلُهُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا، وَفِي مَعْنَاهُمَا الصَّرْفُ وَالصَّدْعُ، وَلَا مَانِعَ عِنْدِي مِنِ اسْتِعْمَالِ صَدَفَ هُنَا لَازِمًا مُتَعَدِّيًا كَمَا كَانَتْ حَالُ أُولَئِكَ الْكُبَرَاءِ مِنْ قُرَيْشٍ وَسَائِرِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِمْ فِي صَدِّ النَّاسِ عَنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، وَمَنْعِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ، وَهَذَا أَقْرَبُ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَعَانِيهِ إِذَا كَانَتِ الْعِبَارَةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ - إِنْ لَمْ يُعَدَّ مِنْهُ، وَمِنِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ بِهَذَا الشَّرْطِ - وَقَدْ قَالَ بِهِمَا ابْنُ جَرِيرٍ وَالْأُصُولِيُّونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ. عَلَى أَنَّ بَيْنَ اللَّازِمِ وَالْمُتَعَدِّي تَلَازُمًا فِي هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّ الصَّادَّ لِغَيْرِهِ عَنْ شَيْءٍ يَكْرَهُهُ وَيُعَادِي الدَّاعِيَ إِلَيْهِ وَالْقَائِمَ بِهِ وَيَكُونُ هُوَ أَشَدَّ صُدُودًا وَإِعْرَاضًا عَنْهُ. وَإِنَّمَا يَنْهَى عَنِ الشَّيْءِ وَيَصُدُّ عَنْهُ غَيْرَهُ مَنْ يُحِبُّهُ وَيَأْخُذُ بِهِ إِذَا كَانَ مُرَائِيًا أَوْ خَادِعًا لِمَنْ يَنْهَاهُ وَيَصْرِفُهُ عَنْهُ، كَالْوُعَّاظِ الْمُرَائِينَ، وَالتُّجَّارِ
الْغَاشِّينَ. وَمِنَ الصَّدِّ اللَّازِمِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) (4: 61) وَمِنَ الْمُتَعَدِّي قَوْلُهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ مُحَمَّدٍ أَوِ الْقِتَالِ: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) (47: 1) . (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ) أَيْ سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ النَّاسَ وَيَرُدُّونَهُمْ عَنْ آيَاتِنَا وَالِاهْتِدَاءِ بِهَا سُوءَ الْعَذَابِ، بِسَبَبِ مَا كَانُوا يَجْرُونَ عَلَيْهِ مِنَ الصَّدْفِ عَنْهَا وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُمْ بِذَلِكَ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ وَأَوْزَارَ مَنْ صَدَفُوهُمْ عَنِ الْحَقِّ وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَبَبِ الْهِدَايَةِ، وَقَدْ وَضَعَ الْمَوْصُولَ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ فَقَالَ: (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ) وَلَمْ يَقُلْ: سَنَجْزِيهِمْ، لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذَا الْوَعِيدَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الصَّدْفِ الَّذِي هُوَ قَطْعُ طَرِيقِ الْحَقِّ عَلَى الْمُسْتَعِدِّينَ لِاتِّبَاعِهِ، لِأَنَّهُمْ بِهَذَا كَانُوا أَظْلَمَ النَّاسِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 182
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست