responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 172
وَقَدْ جُمِعَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْحَقِّ وَالنَّهْيِ عَنْ مُقَابِلِهِ وَهُوَ الْبَاطِلُ. قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (وَإِنَّ هَذَا صِرَاطِي) بِكَسْرِ هَمْزَةِ " إِنَّ " وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، فَأَمَّا كَسْرُهَا فَعَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مُسْتَأْنَفٌ فِي بَيَانِ وَصِيَّةٍ هِيَ أُمُّ الْوَصَايَا
الْجَامِعَةِ لِمَا قَبِلَهَا، وَلِغَيْرِهَا - وَأَمَّا الْفَتْحُ فَعَلَى تَقْدِيرِ لَامِ التَّعْلِيلِ فَهُوَ يَقُولُ: وَلِأَجْلِ أَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا لَا عِوَجَ فِيهِ، عَلَيْكُمْ أَنْ تَتَّبِعُوهُ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْثِرُونَ الِاسْتِقَامَةَ عَلَى الِاعْوِجَاجِ، وَتُرَجِّحُونَ الْهُدَى عَلَى الضَّلَالِ.
أَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَالْحَاكِمُ وَأَكْثَرُ مُصَنِّفِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: " هَذَا سَبِيلُ اللهِ مُسْتَقِيمًا " ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِ ذَلِكَ الْخَطِّ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: " وَهَذِهِ السُّبُلُ لَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ "، ثُمَّ قَرَأَ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ مَا الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ؟ قَالَ: تَرَكَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَدْنَاهُ وَطَرَفُهُ الْجَنَّةُ، وَعَنْ يَمِينِهِ جَوَادُّ (بِالتَّشْدِيدِ جَمْعُ جَادَّةٍ وَهِيَ الطَّرِيقُ) وَعَنْ يَسَارِهِ جَوَادُّ، وَثَمَّ رِجَالٌ يَدْعُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ، فَمَنْ أُخِذَ فِي تِلْكَ الْجَوَادِّ انْتَهَتْ بِهِ إِلَى النَّارِ، وَمَنْ أُخِذَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ انْتَهَى بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ. وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا " ضَرْبَ اللهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَعَنْ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَفْتَحَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ لَهُ: وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ (أَيْ تَدْخُلُهُ) فَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللهِ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللهِ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللهِ، وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ " وَأَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْوَاعِظَ هُوَ مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ النَّاسُ بِالْوُجْدَانِ وَالضَّمِيرِ.
وَقَدْ أَفْرَدَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَهُوَ سَبِيلُ اللهِ، وَجَمَعَ السُّبُلَ الْمُخَالِفَةَ لَهُ لِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ وَالْبَاطِلَ مَا خَالَفَهُ وَهُوَ كَثِيرٌ فَيَشْمَلُ الْأَدْيَانَ الْبَاطِلَةَ مِنْ مُخْتَرَعَةٍ وَسَمَاوِيَّةٍ مُحَرَّفَةٍ وَمَنْسُوخَةٍ وَالْبِدَعَ وَالشُّبَهَاتِ، وَبِهَا فَسَّرَهَا مُجَاهِدٌ هُنَا، وَالْمَعَاصِيَ كَمَا فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ وَقَدْ نَهَى عَنِ التَّفَرُّقِ فِي صِرَاطِ الْحَقِّ وَسَبِيلِهِ، فَإِنَّ التَّفَرُّقَ فِي الدِّينِ الْوَاحِدِ هُوَ جَعْلُهُ مَذَاهِبَ يَتَشَيَّعُ لِكُلٍّ مِنْهَا شِيعَةٌ وَحِزْبٌ يَنْصُرُونَهُ وَيَتَعَصَّبُونَ لَهُ، وَيُخَطِّئُونَ مَا خَالَفَهُ، وَيَرْمُونَ أَتْبَاعَهُ بِالْجَهْلِ وَالضَّلَالِ، أَوِ الْكُفْرِ أَوِ الِابْتِدَاعِ، وَذَلِكَ سَبَبٌ لِإِضَاعَةِ الدِّينِ بِتَرْكِ طَلَبِ الْحَقِّ الْمُنَزَّلِ فِيهِ، لِأَنَّ كُلَّ
شِيعَةٍ فِيمَا يُؤَيِّدُ مَذْهَبَهَا وَيُظْهِرُهَا عَلَى مُخَالِفِيهَا، لَا فِي الْحَقِّ لِذَاتِهِ، وَالِاسْتِعَانَةُ عَلَى اسْتِبَانَتِهِ وَفَهْمِ نُصُوصِهِ بِبَحْثِ أَيِّ عَالِمٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِغَيْرِ تَعَصُّبٍ وَلَا تَشَيُّعٍ، وَالْحَقُّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَقْفًا مَحْبُوسًا مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عَالِمٍ مُعَيَّنٍ وَعَلَى أَتْبَاعِهِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 172
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست