responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 146
خَصَّصُوا عُمُومَ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا نُقِلَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: " مَا اسْتَخْبَثَهُ الْعَرَبُ فَهُوَ حَرَامٌ " وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الَّذِي يَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ فَهُوَ غَيْرُ مَضْبُوطٍ، فَسَيِّدُ الْعَرَبِ بَلْ سَيِّدُ الْعَالَمِينَ مُحَمَّدٌ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ لَمَّا رَآهُمْ يَأْكُلُونَ الضَّبَّ قَالَ: يَعَافُهُ طَبْعِي. ثُمَّ إِنَّ هَذَا الِاسْتِقْذَارَ مَا صَارَ سَبَبًا لِتَحْرِيمِ الضَّبِّ، وَأَمَّا
سَائِرُ الْعَرَبِ فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْتَقْذِرُ شَيْئًا، وَقَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ فَيَسْتَقْذِرُهَا قَوْمٌ وَيَسْتَطِيبُهَا آخَرُونَ فَعَلِمْنَا أَنَّ أَمْرَ الِاسْتِقْذَارِ غَيْرُ مَضْبُوطٍ بَلْ هُوَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ نَسْخُ هَذَا النَّصِّ الْقَاطِعِ بِهَذَا الْأَمْرِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ مُعَيَّنٌ وَلَا قَانُونٌ مَعْلُومٌ؟ اهـ.
أَقُولُ: إِنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ فِي تَحْرِيمِ مَا اسْتَخْبَثَتْهُ الْعَرَبُ لَا أَصْلَ لَهُ فَلَمْ يَبْقَ لِأَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ مُسْتَنَدٌ إِلَّا مَفْهُومَ الْأَمْرِ بِأَكْلِ الطَّيِّبَاتِ وَإِحْلَالِهَا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْيَهُودِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) (7: 157) فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ مَنْعَ الِاحْتِجَاجَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مُطْلَقًا وَبِمَفْهُومِ الصِّفَةِ مِنْهُ كَالطَّيِّبَاتِ هُنَا آخَرُونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ كَالْأَخْفَشِ وَابْنِ فَارِسٍ وَابْنِ جِنِّيٍّ، وَاشْتَرَطَ لَهُ الْمُحْتَجُّونَ بِهِ شُرُوطًا لَا تَتَحَقَّقُ هُنَا، أَقْوَاهَا أَلَّا يُعَارِضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ مِنْ مَنْطُوقٍ أَوْ مَفْهُومٍ وَقَدْ عَارَضَتْهُ هُنَا الْآيَاتُ الْقَطْعِيَّةُ، عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَمَعْنَاهُ: يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي كَانَتْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ فَقَطْ وَهِيَ مَا كَانُوا يَسْتَحِلُّونَهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ بِالرِّبَا وَغَيْرِهِ وَمَا كَانَ خَبِيثًا مِنَ الطَّعَامِ كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ لَنَا، وَهَذَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِهَا. وَالْخَبِيثُ يُطْلَقُ عَلَى الْمُحَرَّمِ وَعَلَى الْقَبِيحِ وَالرَّدِيءِ ; وَبِهَذَا فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) (2: 267) وَكُلُّ مُحَرَّمٍ خَبِيثٌ وَمَا كُلُّ خَبِيثٍ بِمُحَرَّمٍ ; فَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ تَسْمِيَةُ الثُّومِ وَالْبَصَلِ بِالشَّجَرَتَيْنِ الْخَبِيثَتَيْنِ وَأَكْلُهُمَا مُبَاحٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ. وَفِي الْأَحَادِيثِ إِطْلَاقُ كَلِمَةِ خَبِيثٍ عَلَى مَهْرِ الْبَغِيِّ وَثَمَنِ الْكَلْبِ وَكَسْبِ الْحَجَّامِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ مَكْرُوهٌ لَا مُحَرَّمٌ.
فَبِهَذِهِ الشَّوَاهِدِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يُهْدَمُ هَذَا الْأَصْلُ الِاجْتِهَادِيُّ مِنْ أُصُولِ التَّحْرِيمِ الَّذِي عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ حُكْمُ اللهِ تَعَالَى الْمُقْتَضِي لِلتَّرْكِ اقْتِضَاءً جَازِمًا، وَإِنْ لَمْ يُطَبِّقُوا هَذَا التَّعْرِيفَ عَلَى كُلِّ مَا ادَّعَوْا حُرْمَتَهُ بِاجْتِهَادِهِمْ، وَإِنَّمَا الِاجْتِهَادُ بَذْلُ الْجَهْدِ لِتَحْصِيلِ الظَّنِّ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَمَلِيٍّ. وَمِنَ الثَّابِتِ مِنْ أَخْلَاقِ الْبَشَرِ وَطِبَاعِهِمْ أَنَّ لِلْبِيئَةِ الَّتِي يَعِيشُونَ فِيهَا تَأْثِيرًا فِي اجْتِهَادِهِمْ وَفَهْمِهِمْ فَالَّذِينَ حَرَّمُوا عَلَى عِبَادِ اللهِ مَا لَا يُحْصَى مِنَ الْمَنَافِعِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ لَهُمْ وَامْتَنَّ بِهَا عَلَيْهِمْ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) (2: 29) كَانُوا عَائِشِينَ فِي حَضَارَةٍ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 146
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست