responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 114
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي مَادَّةِ وَصْفِ الْأَسَاسِ: وَمِنَ الْمَجَازِ وَجْهُهَا يَصِفُ الْحُسْنَ، وَلِسَانُهُ يَصِفُ الْكَذِبَ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ نَاقَةٌ تَصِفُ الْإِدْلَاجَ. قَالَ الشَّمَّاخُ:
إِذَا مَا أَدْلَجَتْ وَصَفَتْ يَدَاهَا ... لَهَا الْإِدْلَاجَ لَيْلَةَ لَا هُجُوعَ
وَفِي رَوْحِ الْمَعَانِي أَنَّ الْجُمْلَةَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ بَلِيغِ الْكَلَامِ وَبَدِيعِهِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: وَصَفَ كَلَامُهُ الْكَذِبَ، إِذَا كَذَبَ، وَعَيْنُهُ تَصِفُ السِّحْرَ أَيْ سَاحِرَةٌ، وَقَدُّهُ يَصِفُ الرَّشَاقَةَ، بِمَعْنَى رَشِيقٍ مُبَالَغَةً حَتَّى كَأَنَّ مَنْ سَمِعَهُ أَوْ رَآهُ وَصَفَ لَهُ ذَلِكَ بِمَا يَشْرَحُهُ لَهُ: قَالَ الْمَعَرِّيُّ:
سَرَى بَرْقُ الْمَعَرَّةِ بَعْدَ وَهْنٍ ... فَبَاتَ بِرَامَةٍ يَصِفُ الْمَلَالَا
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِرَاءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) حَاصِلُ مَا أَنْكَرَ اللهُ تَعَالَى عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ فِي هَذَا السِّيَاقِ يَرْجِعُ إِلَى الْأَمْرَيْنِ الْفَظِيعَيْنِ اللَّذَيْنِ نَعَتْهُمَا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ وَحَكَمَتْ عَلَيْهِمْ فِيهِمَا حُكْمًا حَقًّا وَعَدْلًا، وَهُوَ أَنَّهُمْ خَسِرُوا بِقَتْلِ أَوْلَادِهِمْ وَبِوَأْدِ الْبَنَاتِ - الْآتِي بَيَانُهُ وَغَيْرُهُ - خُسْرَانًا عَظِيمًا دَلَّ عَلَيْهِ حَذْفُ مَفْعُولِ خَسِرُوا الدَّالِّ عَلَى الْعَوَامِّ فِي بَابِهِ
لِيَتَرَوَّى السَّامِعُ فِيهِ، وَيَتَأَمَّلَ مَا وَرَاءَ قَوَادِمِهِ مِنْ خَوَافِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ خُسْرَانَ الْأَوْلَادِ يَسْتَلْزِمُ خُسْرَانَ كُلِّ مَا كَانَ يُرْجَى مِنْ فَوَائِدِهِمْ مِنَ الْعِزَّةِ وَالنُّصْرَةِ، وَالْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْفَخْرِ وَالزِّينَةِ وَالسُّرُورِ وَالْغِبْطَةِ، كَمَا يَسْتَلْزِمُ خُسْرَانَ الْوَالِدِ الْقَاتِلِ لِعَاطِفَةِ الْأُبُوَّةِ وَرَأْفَتِهَا، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ الْقَسْوَةِ وَالْغِلْظَةِ وَالشَّرَاسَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ الَّتِي يَضِيقُ بِهَا الْعَيْشُ فِي الدُّنْيَا وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْعِقَابُ فِي الْآخِرَةِ ; وَلِذَلِكَ عُلِّلَ هَذَا الْجُرْمُ بِسَفَهِ النَّفْسِ وَهُوَ اضْطِرَابُهَا وَحَمَاقَتُهَا، وَبِالْجَهْلِ أَيْ عَدَمُ الْعِلْمِ بِمَا يَنْفَعُ وَيَضُرُّ وَمَا يَحْسُنُ وَيَقْبُحُ.
ثُمَّ بَيَّنَ بَعْدِ هَذَا أَنَّهُمْ حَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَهَذَا سَفَهٌ وَجَهْلٌ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ دُونَ مَا سَبَقَهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ ; وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى تَعْلِيلِهِ بَشَرِّ مَا فِيهِ مِنَ الْقُبْحِ وَهُوَ الِافْتِرَاءُ عَلَى اللهِ بِجَعْلِهِ دِينًا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْهِ. ثُمَّ بَيَّنَ نَتِيجَةَ الْأَمْرَيْنِ بِأَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا فِيهِمَا، وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ مِنْ طَرِيقِ الْعَقْلِ وَلَا مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ، وَلَا مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا وَلَا مِنْ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ، فَهَذِهِ الْأَعْمَالُ أَقْبَحُ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ مِنْ غِوَايَةِ الشِّرْكِ وَقَدْ عَادَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ مِنْهُ بِتَحْرِيمِ مَا لَمْ يُحَرِّمِ اللهُ وَجَعْلِهِ دِينًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ.
أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا) إِلَى قَوْلِهِ: (وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: نَزَلَتْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 114
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست