responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 113
بِالنَّصْبِ أَنَّ الْمُرَادَ: وَإِنْ يَكُنْ مَا فِي بُطُونِ تِلْكَ الْأَنْعَامِ مَيْتَةً. فَالْفَائِدَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ فِي اخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ مَا ذَكَرْنَا وَمَا عَدَاهُ فَاخْتِلَافُ وُجُوهٍ جَائِزَةٍ فِي اللُّغَةِ.
وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ فِي الْآيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: (خَالِصَةٌ) فِيهِ وُجُوهٌ. أَحَدُهَا: أَنَّ التَّاءَ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْوَصْفِ كَرَاوِيَةِ وَدَاهِيَةٍ وَطَاغِيَةٍ فَلَا يُقَالُ إِنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمُبْتَدَأِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ خَبَرٌ، وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمُبْتَدَأَ وَهُوَ (مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ) مُذَكَّرُ اللَّفْظِ مُؤَنَّثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِهِ الْأَجِنَّةُ، فَيَجُوزُ تَذْكِيرُ خَبَرِهِ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَتَأْنِيثُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى - وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ مَصْدَرٌ فَتَكُونُ الْعِبَارَةُ مِثْلَ قَوْلِهِمْ: عَطَاؤُكَ عَافِيَةٌ، وَالْمَطَرُ رَحْمَةٌ، وَالرُّخْصَةُ نِعْمَةٌ، وَرَابِعُهَا أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ أَوْ حَالٌ مِنَ الْمُسْتَكِنِ فِي الظَّرْفِ وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ (لِذُكُورِنَا) .
(سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) يُقَالُ: جَزَاهُ كَذَا وَبِكَذَا - أَيْ جَعَلَهُ جَزَاءً لَهُ عَلَى عَمَلٍ عَمِلَهُ، قَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) (25: 75) إِلَخْ وَقَالَ: (فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) (21: 29) وَقَالَ: (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) (10: 52) وَقَالَ: (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (27: 90) وَجَعْلُ الْجَزَاءِ عَيْنَ الْعَمَلِ قَدْ تَكَرَّرَ فِي سُورَةٍ أُخْرَى وَقَدَّرُوا لَهُ كَلِمَةَ جَزَاءٍ أَوْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ هُوَ مَا يُجَازَى عَلَيْهِ لَا مَا يُجَازَى بِهِ، وَلَكِنَّ تَعْبِيرَ الْكُتَّابِ لَا يَكُونُ إِلَّا لِنُكْتَةٍ
عَالِيَةٍ فِي الْبَلَاغَةِ، وَهِيَ عِنْدَنَا الْإِيذَانُ بِأَنَّ الْجَزَاءَ لَمَّا كَانَ أَثَرًا لِمَا يُحْدِثُهُ الْعَمَلُ فِي النَّفْسِ مِنْ تَزْكِيَةٍ أَوْ تَدْسِيَةٍ كَانَ كَأَنَّهُ عَيْنُ الْعَمَلِ، فَإِنَّ النَّفْسَ تُنَعَّمُ أَوْ تُعَذَّبُ بِالصِّفَةِ الَّتِي تَطْبَعُهَا فِيهَا الْأَعْمَالُ، وَبِهَذَا يَتَجَلَّى لَكَ هُنَا مَعْنَى جَعْلِ جَزَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللهِ فِي التَّشْرِيعِ وَصْفَهُمْ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا جُعِلَ الْوَصْفُ هُنَا بِمَعْنَى الصِّفَةِ الَّتِي هِيَ حَالَةُ النَّفْسِ وَصُورَتُهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْمَعْنَى فِي التَّفْسِيرِ مِرَارًا. وَمَعْنَى الْجُمْلَةِ مَعَ تَعْلِيلِهَا: سَيَجْزِيهِمُ اللهُ بِمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ فِي الْخَلْقِ وَعِلْمِهِ بِشُئُونِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَمَنَاشِئِهَا مِنْ صِفَاتِهِمْ، بِأَنْ يَجْعَلَ عِقَابَهُمْ عَيْنَ مَا يَقْتَضِيهِ وَصْفُهُمْ وَنَعْتُهُمُ الرُّوحِيُّ، فَإِنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ فِي الْآخِرَةِ صِفَاتٍ تَجْعَلُهَا فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ مِنْ عِلِّيِّينَ، أَوْ سِجِّينٍ فِي أَسْفَلِ سَافِلِينَ، كَمَا أَنَّ صِفَةَ الْجِسْمِ السَّائِلِ الْخَفِيفِ تَقْتَضِي بِسُنَنِ اللهِ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْجِسْمِ الثَّقِيلِ كَمَا تَرَى فِي الزَّيْتِ إِذَا وُضِعَ فِي إِنَاءٍ مَعَ الْمَاءِ، وَمَا يَعْرِفُ النَّاسُ مِنْ دَرَجَاتِ الْحَرَارَةِ فِي مَوَازِينِهَا الْمَعْرُوفَةِ مِثَالٌ مُوَضِّحٌ لِلْمُرَادِ، فَمَنْشَأُ الْجَزَاءِ نَفْسُ الْإِنْسَانِ بِاعْتِبَارِ عَقَائِدِهَا وَسَائِرِ صِفَاتِهَا الَّتِي يَطْبَعُهَا الْعَمَلُ عَلَيْهَا. وَإِذَا جُعِلَ الْوَصْفُ مَصْدَرًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مَعْمُولِهِ كَأَنْ يُقَالَ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ لِرَبِّهِمْ بِمَا جَعَلُوا لَهُ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْعِبَادَةِ وَالتَّشْرِيعِ، أَوْ وَصْفَ أَلْسِنَتِهِمُ الْكَذِبَ بِمَا افْتَرَوْا عَلَيْهِ فِيهِمَا: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) (16: 116) الْآيَةُ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 113
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست