responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 103
بِالْفِعْلِ. فَأَيْنَ هَذَا مِمَّنْ يَكْفُرُونَ بِالْبَعْثِ تَقْلِيدًا لِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ لِظَنِّهِمْ أَنَّهُمْ يُعِدُّونَ هَذَا مُحَالًا لَا يُمْكِنُ تَحَقُّقُهُ. وَإِذَا كَانَ هَذَا جَائِزًا وَيَرَى أَكْبَرُ عُلَمَاءِ الْمَادَّةِ أَنَّهُ يُمْكِنُ وُصُولُهُمْ إِلَيْهِ فِعْلًا فَهَلْ يَعْجَزُ عَنْهُ خَالِقُ الْبَشَرِ وَكُلِّ شَيْءٍ (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (41: 53: 54) . هَذَا وَإِنَّ كَلِمَةَ (تُوعَدُونَ) مُضَارِعٌ مَجْهُولٌ لِوَعَدَ الثُّلَاثِيِّ الَّذِي غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْخَيْرِ وَالنَّفْعِ، وَهُوَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ وَفِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ شَامِلٌ لَهُمَا - وَلِأَوْعَدَ الرُّبَاعِيِّ الْخَاصِّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الشَّرِّ أَوِ الضُّرِّ. وَرَجَّحَ الثَّانِي فِي الْآيَةِ لِأَنَّ الْخِطَابَ فِي إِنْذَارِ الْكَافِرِينَ وَنَفْيِ الْإِعْجَازِ فِيهِ لِلتَّهْدِيدِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَرَى عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ قَالَ " الرَّازِيُّ " وَفِيهِ احْتِمَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْوَعْدَ مَخْصُوصٌ بِالْإِخْبَارِ عَنِ الثَّوَابِ. وَأَمَّا الْوَعِيدُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْإِخْبَارِ عَنِ الْعِقَابِ، فَقَوْلُهُ: (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ) يَعْنِي كُلَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْوَعْدِ وَالثَّوَابِ فَهُوَ آتٍ لَا مَحَالَةَ فَتَخْصِيصُ الْوَعْدِ بِهَذَا الْجَزْمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَانِبَ الْوَعِيدِ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَيُقَوِّي هَذَا الْوَجْهَ آخِرُ الْآيَةِ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) يَعْنِي لَا تَخْرُجُونَ عَنْ قُدْرَتِنَا وَحُكْمِنَا. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْوَعْدَ جَزَمَ بِكَوْنِهِ آتِيًا، وَلَمَّا ذَكَرَ الْوَعِيدَ مَا زَادَ عَلَى قَوْلِهِ: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَانِبَ الرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ غَالِبٌ اهـ.
وَنَقُولُ: إِنَّ هَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَوْجُهِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي تَرْجِيحِ فَنَاءِ النَّارِ. وَلَكِنَّنَا نَرَاهُ ضَعِيفًا وَإِنْ كُنَّا نَقُولُ بِأَنَّ جَانِبَ الرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ سَابِقٌ وَغَالِبٌ فِي أَفْعَالِ اللهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ لِلْكُفَّارِ، وَأَنَّ اللَّفْظَ لَيْسَ نَصًّا فِي الْوَعِيدِ، كَمَا أَنَّ الْوَعْدَ لَيْسَ خَاصًّا بِالثَّوَابِ، كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْعِقَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (22: 72) وَقَوْلُهُ: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) (22: 47) . وَقَدْ خَتَمَ اللهُ هَذَا الْوَعِيدَ وَالتَّهْدِيدَ بِقَوْلِهِ لِرَسُولِهِ: (قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ
إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) فِي هَذَا النِّدَاءِ ضَرْبٌ مِنَ الِاسْتِمَالَةِ لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِالدَّعْوَةِ أَوَّلًا، بِمَا يُذَكِّرُهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمُ الرَّسُولِ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ وَيَحْرِصُ عَلَى خَيْرِهِمْ وَمَنْفَعَتِهِمْ بِبَاعِثِ الْفِطْرَةِ وَالتَّرْبِيَةِ وَالْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَقَدْ كَانَتِ النُّعَرَةُ الْقَوْمِيَّةُ عِنْدَ الْعَرَبِ أَقْوَى مِنْهَا عِنْدَ الْمَعْرُوفِ حَالُهُمُ الْيَوْمَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ، فَكَانَ نِدَاؤُهُمْ بِقَوْلِهِ: " يَا قَوْمِي " جَدِيرًا بِأَنْ يُحَرِّكَ هَذِهِ الْعَاطِفَةَ فِي قُلُوبِهِمْ فَتَحْمِلُ الْمُسْتَعِدَّ عَلَى الْإِصْغَاءِ لِمَا يَقُولُ وَالتَّأَمُّلِ فِيهِ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ بِمِثْلِ هَذَا فِي آخِرِ سُورَةِ " هُودٍ " وَأَوَاسِطَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 103
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست