responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 552
لَهُ فِي الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ بَشَفَاعَةٍ وَلَا وِلَايَةٍ، فَالْأَمْرُ هُنَا بِالِاتِّبَاعِ لَيْسَ الْغَرَضُ مِنْهُ مُجَرَّدَ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي أَكْثَرِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَمَلِ مَنْ هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ مِنْهُ بَيَانُ كَوْنِهِ مِنْ مُتَمِّمَاتِ التَّبْلِيغِ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْمَقْرُونِ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، بِأَنْ لَا يُبَالِيَ بِإِصْرَارِهِمْ عَلَى الشِّرْكِ، وَلَا بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ لَهُ: دَارَسْتَ أَوْ دَرَسْتَ لِأَنَّ الْحَقَّ يَعْلُو مَتَى ظَهَرَ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ مَعَ الْإِخْلَاصِ، لَا يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ بِخُرَافَاتِ الْأَعْمَالِ وَلَا بِزَخَارِفِ الْأَقْوَالِ، ثُمَّ هَوَّنَ عَلَيْهِ أَمْرَ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكُوا) إِلَخْ. أَيْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى أَلَّا يُشْرِكُوا لَمَا أَشْرَكُوا بِأَنْ يَخْلُقَ الْبَشَرَ مُؤْمِنِينَ طَائِعِينَ بِالْفِطْرَةِ كَالْمَلَائِكَةِ، وَلَكِنَّهُ خَلَقَهُمْ مُسْتَعِدِّينَ لِلْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالتَّوْحِيدِ وَالشِّرْكِ وَالطَّاعَةِ وَالْفِسْقِ، وَمَضَتْ سُنَّتُهُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونُوا عَامِلِينَ مُخْتَارِينَ فَأَمَّا غَرَائِزُهُمْ وَفَطَرُهُمْ فَكُلُّهَا خَيْرٌ، وَأَمَّا تَصَرُّفُهُمْ وَكَسْبُهُمْ لِعُلُومِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ، وَقَدْ فَصَّلْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ قَبْلُ: (وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) وَإِنَّمَا أَنْتَ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ، وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الْحَفِيظُ وَالْوَكِيلُ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَسْلُبُهُمُ اسْتِعْدَادَهُمْ، وَلَا يُجْبِرُهُمْ بِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ لَهُ، إِذْ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَكَانَ إِخْرَاجًا لَهُمْ مِنْ جِنْسِ الْبَشَرِ إِلَى جِنْسٍ آخَرَ، وَلَعَلَّ فِي الْجُمْلَتَيْنِ احْتِبَاكًا، وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِ حَفِيظًا تَحْفَظُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ لِتُحَاسِبَهُمْ وَتُجَازِيَهُمْ عَلَيْهَا، وَلَا وَكِيلًا تَتَوَلَّى أُمُورَهُمْ وَتَتَصَرَّفُ فِيهَا، وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ وَلَا حَفِيظٍ بِمِلْكٍ وَلَا سِيَادَةٍ. أَيْ لَيْسَ لَكَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْوَصْفَيْنِ بِأَمْرِنَا وَحُكْمِنَا، وَلَا ذَلِكَ بِالْفِعْلِ كَمَا يَكُونُ نَحْوُهُ لِبَعْضِ الْمُلُوكِ بِالْقَهْرِ أَوِ التَّرَاضِي.
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي ج 7، وَفِيهِ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَوْ مَا قَبْلَهَا، وَالْجُمْهُورُ لَا يَعُدُّونَ مِثْلَ هَذَا مِنَ الْمَنْسُوخِ كَمَا تَقَدَّمَ، نَعَمْ إِنَّهُ نَزَلَ قَبْلَ أَنْ تَتَكَوَّنَ الْأُمَّةُ وَيَصِيرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاكِمًا، وَلَكِنْ نَزَلَ مِثْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَيْسَ حَفِيظًا وَلَا وَكِيلًا عَلَى الْأُمَّةِ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ هُنَا، فَفِي سُورَةِ النِّسَاءِ الْمَدَنِيَّةِ: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) 4: 80 وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا مِنْ تَقْرِيرِ حُرِّيَّةِ الدِّينِ وَالِاعْتِقَادِ، مَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي قَانُونٍ وَلَا كِتَابٍ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 552
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست