responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 529
تَنْقُضُ مَذْهَبَ الْمَانَوِيَّةِ، فَيَسْتَطِيلُهُ الْمَرْضَى وَالْمَهْمُومُونَ وَالْمَهْجُورُونَ، وَيَسْتَقْصِرُهُ الْعَابِدُونَ الْوَاصِلُونَ، وَالْعَاشِقُونَ الْمَوْصُولُونَ، فَذَلِكَ يَقُولُ مَا أَطْوَلَهُ وَيَطْلُبُ انْجِلَاءَهُ، وَهَذَا يَقُولُ مَا أَقْصَرَهُ وَيَتَمَنَّى بَقَاءَهُ:
يَوَدُّ أَنَّ سَوَادَ اللَّيْلِ دَامَ لَهُ ... وَزِيدَ فِيهِ سَوَادُ الْقَلْبِ وَالْبَصَرِ.
وَالْمُرَادُ بِالسُّكُونِ فِيهِ مَا يَعُمُّ سُكُونَ الْجِسْمِ وَسُكُونَ النَّفْسِ. أَمَّا سُكُونُ الْجِسْمِ فَبِرَاحَتِهِ مِنْ تَعَبِ الْعَمَلِ بِالنَّهَارِ، وَأَمَّا سُكُونُ النَّفْسِ فَبِهُدُوءِ الْخَوَاطِرِ وَالْأَفْكَارِ، وَاللَّيْلُ زَمَنُ السُّكُونِ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَسَّرُ فِيهِ مِنَ الْحَرَكَةِ وَأَنْوَاعِ الْأَعْمَالِ مَا يَتَيَسَّرُ فِي النَّهَارِ، لِمَا خُصَّ بِهِ الْأَوَّلُ مِنَ الْإِظْلَامِ وَالثَّانِي مِنَ الْإِبْصَارِ (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابِ) 17: 12 فَأَكْثَرُ الْأَحْيَاءِ مِنْ إِنْسَانٍ وَحَيَوَانٍ تَتْرُكُ الْعَمَلَ وَالسَّعْيَ فِي اللَّيْلِ وَتَأْوِي إِلَى مَسَاكِنِهَا ; لِلرَّاحَةِ الَّتِي لَا تَتِمُّ وَتَكْمُلُ إِلَّا بِالنَّوْمِ الَّذِي تَسْكُنُ بِهِ الْجَوَارِحُ وَالْخَوَاطِرُ بِبُطْلَانِ حَرَكَتِهَا الْإِرَادِيَّةِ، كَمَا تَسْكُنُ بِهِ الْأَعْضَاءُ الرَّئِيسِيَّةُ سُكُونًا نِسْبِيًّا بِقِلَّةِ حَرَكَتِهَا الطَّبِيعِيَّةِ، فَتَقِلُّ نَبَضَاتُ الْقَلْبِ بِوُقُوفِهَا بَيْنَ كُلِّ نَبْضَتَيْنِ، وَيَقِلُّ إِفْرَازُ خَلَايَا الْجِسْمِ لِلسَّوَائِلِ وَالْعُصَارَاتِ الَّتِي تُفْرِزُهَا، وَيُبْطِئُ التَّنَفُّسُ وَيَقِلُّ ضَغْطُ الدَّمِ فِي الشَّرَايِينِ، وَلَا سِيَّمَا فِي أَوَّلِ النَّوْمِ إِذْ تَكُونُ الْحَاجَةُ إِلَى الرَّاحَةِ بِهِ عَلَى أَشُدِّهَا، وَيَضْعُفُ الشُّعُورُ حَتَّى يَكَادَ يَكُونُ مَفْقُودًا، فَيَسْتَرِيحُ الْجِهَازُ الْعَصَبِيُّ وَلَا سِيَّمَا الدِّمَاغُ وَالْحَبْلُ الشَّوْكِيُّ، وَتَسْتَرِيحُ جَمِيعُ الْأَعْضَاءِ بِاسْتِرَاحَتِهِ، وَنَقْلُ الْفَضَلَاتِ الَّتِي تَنْحَلُّ مِنَ الْبَدَنِ وَتَكْثُرُ الدَّقَائِقُ الَّتِي تَتَكَوَّنُ مِنَ الدَّمِ لِتَحِلَّ مَحَلَّهَا. وَإِنَّمَا تَكْثُرُ الْفَضَلَاتُ وَانْحِلَالُ الذَّرَّاتِ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ، فَالْعَمَلُ الْعَقْلِيُّ يُجْهِدُ الدِّمَاغَ، وَالْعَضَلِيُّ يُجْهِدُ الْأَعْضَاءَ الْعَامِلَةَ، فَتَزْدَادُ الْحَرَارَةُ وَيَكْثُرُ الِاحْتِرَاقُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْعَمَلِ وَتَكُونُ الْحَاجَةُ إِلَى الرَّاحَةِ بِالنَّوْمِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ عُلِّلَ النَّوْمُ تَعْلِيلَاتٍ كَثِيرَةً، وَلَمَّا يَصِلِ الْعُلَمَاءُ إِلَى كَشْفِ سِرِّهِ وَاسْتِجْلَاءِ كُنْهِ سَبَبِهِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّالِثَةُ الْكَوْنِيَّةُ فِي الْآيَةِ فَهِيَ جَعْلُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ حُسْبَانًا أَيْ عَلَمَيْ حِسَابٍ، لِأَنَّ طُلُوعَهُمَا وَغُرُوبَهُمَا وَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَحَوُّلَاتِهِمَا وَاخْتِلَافِ مَظَاهِرِهِمَا كُلُّ ذَلِكَ بِحِسَابٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) 55: 5 فَمَا هُنَا بِمَعْنَى آيَةِ الْإِسْرَاءِ (17: 12) الَّتِي ذَكَرْتُ آنِفًا وَآيَةِ يُونُسَ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) 10: 5 فَالْحِسَابُ بِالْكَسْرِ وَالْحُسْبَانُ بِالضَّمِّ مَصْدَرَانِ لِحَسَبَ يَحْسُبُ (مِنْ بَابِ نَصَرَ) وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْعَدَدِ فِي الْأَشْيَاءِ وَالْأَوْقَاتِ، وَأَمَّا الْحِسْبَانُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ مَصْدَرُ حَسِبَ (بِوَزْنِ عَلِمَ) وَفَضْلُ اللهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ عَظِيمٌ ; فَإِنَّ حَاجَةَ النَّاسِ إِلَى مَعْرِفَةِ حِسَابِ الْأَوْقَاتِ لِعِبَادَاتِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ وَتَوَارِيخِهِمْ لَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ
مِنْهُمْ فِي جُمْلَتِهَا، وَعِنْدَ خَوَاصِّ الْعُلَمَاءِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ، وَعُلَمَاءُ الْفَلَكِ وَالتَّقَاوِيمِ مُتَّفِقُونَ فِي هَذَا الْعَصْرِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 529
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست