responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 52
عَنْ ذِكْرِ اللهِ الَّذِي هُوَ رُوحُ الدِّينِ، وَعَنِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ عِمَادُ الدِّينِ، إِذِ السَّكْرَانُ لَا عَقْلَ لَهُ يَذْكُرُ بِهِ آلَاءَ اللهِ وَآيَاتِهِ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، أَوْ يُقِيمُ بِهِ الصَّلَاةَ الَّتِي هِيَ ذِكْرُ اللهِ، وَزِيَادَةُ أَعْمَالٍ تُؤَدِّي بِنِظَامٍ لِغَرَضٍ وَقَصْدٍ، وَلَوْ ذَكَرَ السَّكْرَانُ رَبَّهُ، وَحَاوَلَ الصَّلَاةَ لَمْ تَصِحَّ لَهُ، وَالْمُقَامِرُ تَتَوَجَّهُ جَمِيعُ قُوَاهُ الْعَقْلِيَّةِ إِلَى اللَّعِبِ الَّذِي يَرْجُو مِنْهُ الرِّبْحَ وَيَخْشَى الْخَسَارَةَ فَلَا يَبْقَى لَهُ مِنْ نَفْسِهِ بَقِيَّةٌ يَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى بِهَا، أَوْ يَتَذَكَّرُ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَلَعَلَّهُ لَا يُوجَدُ عَمَلٌ مِنَ الْأَعْمَالِ يَشْغَلُ الْقَلْبَ وَيَصْرِفُهُ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَيَحْصُرُ هَمَّهُ فِيهِ مِثْلَ هَذَا الْقِمَارِ، حَتَّى إِنَّ الْمُقَامِرَ لَيَقَعُ الْحَرِيقُ فِي دَارِهِ وَتَنْزِلُ الْمَصَائِبُ بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَيُسْتَصْرَخُ وَيُسْتَغَاثُ فَلَا يُصْرِخُ وَلَا يُغِيثُ، بَلْ يَمْضِي فِي لَعِبِهِ، وَيَكِلُ أَمْرَ الْحَرِيقِ إِلَى جُنْدِ الْإِطْفَاءِ، وَأَمْرَ الْمُصَابِينَ مِنَ الْأَهْلِ إِلَى الْمُوَاسِينَ أَوِ الْأَطِبَّاءِ، وَمَا زَالَ النَّاسُ يَتَنَاقَلُونَ النَّوَادِرَ فِي ذَلِكَ عَنِ الْمُقَامِرِينَ، مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْمُعَاصِرِينَ.
عَلَى أَنَّ الْمُقَامِرَ إِذَا تَذَكَّرَ الصَّلَاةَ أَوْ ذَكَّرَهُ غَيْرُهُ بِهَا، وَتَرَكَ اللَّعِبَ لِأَجْلِ أَدَائِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يُؤَدِّي مِنْهَا إِلَّا الْحَرَكَاتِ الْبَدَنِيَّةَ بِدُونِ أَدْنَى تَدَبُّرٍ أَوْ خُشُوعٍ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعُودَ إِلَى اللَّعِبِ، نَعَمْ إِنَّهُ قَدْ يَأْتِي بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ تَامَّةً فَيَفْضُلُ السَّكْرَانَ بِهَذَا إِذْ لَا يَكَادُ يَأْتِي مِنْهُ ضَبْطُ أَفْعَالِهَا، وَلَكِنَّ السَّكْرَانَ قَدْ يَفْضُلُهُ بِأَعْمَالِ الْقَلْبِ وَالْخُشُوعِ وَلَوْ بِغَيْرِ عَقْلٍ، فَكَمْ مِنْ سَكْرَانٍ يَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى وَيَذْكُرُ ذُنُوبَهُ حَتَّى سُكْرَهُ وَيَبْكِي، وَيَدْعُو
اللهَ تَعَالَى أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ، لَقِيتُ مَرَّةً سَكْرَانًا فِي أَحَدِ شَوَارِعِ الْقَاهِرَةِ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ يُقَبِّلُ يَدِي وَيَبْكِي وَيَقُولُ: ادْعُ اللهَ لِي أَنْ يَتُوبَ عَلَيَّ مِنَ السُّكْرِ وَيَغْفِرَ لِي، أَنْتَ ابْنُ الرَّسُولِ، وَدُعَاؤُكَ مَقْبُولٌ، وَأَمْثَالُ هَذَا الْكَلَامِ، وَإِذَا كَانَ اللهُ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ السَّكْرَانِ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ وَمَا يَفْعَلُ، فَهُوَ بِالْأَوْلَى لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ الْمُقَامِرِ الَّذِي يَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَلْبُهُ مَشْغُولٌ عَنْهُ بِمَا حَرَّمَهُ عَلَيْهِ، فَلَا يَتَدَبَّرُ الْقُرْآنَ، وَلَا يَخْشَعُ لِلرَّحْمَنِ، وَهُوَ عَاقِلٌ مُكَلَّفٌ قَادِرٌ عَلَى مُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ، وَتَوْجِيهِهَا إِلَى مُرَاقَبَةِ رَبِّهِ وَلَا يُفِيدُ مِثْلَ هَذَا الْمُصَلِّي السَّاهِي عَنْ صَلَاتِهِ إِفْتَاءُ الْفُقَهَاءِ بِصِحَّتِهَا، إِذَا كَمُلَتْ شُرُوطُهَا وَفُرُوضُهَا، فَمَا كُلُّ صَحِيحٍ عِنْدَ عُلَمَاءِ الرُّسُومِ بِمَقْبُولٍ (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) (107: 4، 5) .
قَدْ يُقَالُ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عِلَّتَيْنِ لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ إِحْدَاهُمَا اجْتِمَاعِيَّةٌ وَالْأُخْرَى دِينِيَّةٌ تَصْدُقُ عَلَى الْأَلْعَابِ الَّتِي اشْتَدَّ وُلُوعُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِهَا; كَالشِّطْرَنْجِ فَالظَّاهِرُ أَنْ تُعَدَّ بِذَلِكَ مُحَرَّمَةً كَالْمَيْسِرِ; لِأَنَّهَا تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ اللَّعِبُ بِهَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ؟ قَالَ السَّيِّدُ الْآلُوسِيُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ تَفْسِيرِهِ (رُوحِ الْمَعَانِي) : وَقَدْ شَاهَدْنَا كَثِيرًا مِمَّنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ يَجْرِي بَيْنَهُمْ مِنَ اللَّجَاجِ الْحَلِفُ الْكَاذِبُ وَالْغَفْلَةُ عَنِ اللهِ تَعَالَى

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 52
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست