responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 480
عَلَى الضُّرِّ أَوِ النَّفْعِ، أَوِ الْعَطَاءِ أَوِ الْمَنْعِ، أَخَذْنَا هَذَا الْمَعْنَى لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ حُجَجِ اللهِ تَعَالَى عَلَى نَفْيِ الشَّفَاعَةِ الشِّرْكِيَّةِ بِمِثْلِ قَوْلِهِ: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) (2: 255) فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهُ (فِي جُزْءِ التَّفْسِيرِ الثَّالِثِ) وَجَعَلَ الْجُمْلَةَ بَعْضُهُمْ كَالتَّعْلِيلِ لِلِاسْتِثْنَاءِ، بِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى إِصَابَتُهُ بِسُوءٍ يَكُونُ سَبَبُهُ الْأَصْنَامُ، أَوْ لِبَيَانِ أَنَّهُ لِإِحَاطَةِ عِلْمِهِ لَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا فِيهِ الْخَيْرُ وَالصَّلَاحُ، وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ تَعْرِيضًا بِجَهْلِ مَعْبُودَاتِهِمْ مِنَ الْكَوَاكِبِ وَالْأَوْثَانِ، وَمَا قُلْنَاهُ أَرْجَحُ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ (أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ) أَيُّهَا الْغَافِلُونَ أَنَّ هَذَا هُوَ شَأْنُ الرَّبِّ الْفَاطِرِ، وَأَنَّهُ يُنَافِي مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ الظَّاهِرِ، وَمِنْهُ اعْتِقَادُ وُقُوعِ الضُّرِّ بِي أَوِ النَّفْعِ لَكُمْ بِالتَّصَرُّفِ الَّذِي تَزْعُمُونَهُ فِي مَعْبُودَاتِكُمْ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لِلْعَالَمِ كُلِّهِ رَبًّا خَالِقًا غَيْرَ هَذِهِ الْآلِهَةِ وَالْأَرْبَابِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ اتِّخَاذًا، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْقِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّ نِسْبَةَ جَمِيعِ الْخَلْقِ إِلَى الْخَالِقِ وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى، فَسَخَّرَ مَا شَاءَ بِسُنَنِ الْأَقْدَارِ، وَنِظَامِ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ، ثُمَّ هَدَى الْعُقَلَاءَ لِتِلْكَ الْأَسْبَابِ، لِيَطْلُبُوا الْمَنَافِعَ وَيَتَّقُوا الْمَضَارَّ، وَقَدْ ظَهَرَ بِالدَّلَائِلِ وَالتَّجَارِبِ أَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ عَلَى سَوَاءٍ، فَالسُّلْطَةُ الْغَيْبِيَّةُ الْعُلْيَا لَهُ وَحْدَهُ، لَيْسَ لِغَيْرِهِ تَأْثِيرٌ فِيهَا مَعَهُ وَلَا تَدْبِيرٌ، فَإِذَا جَعَلَ بَعْضَ الْأَجْنَاسِ أَوِ الْأَشْخَاصِ سَبَبًا لِلنَّفْعِ أَوِ الضُّرِّ بِإِرَادَةٍ خَلَقَهَا لَهَا كَالْحَيَوَانَاتِ، أَوْ بِغَيْرِ إِرَادَةٍ كَالْجَمَادَاتِ - فَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ تُرْفَعَ رُتْبَةَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَتُجْعَلَ أَرْبَابًا
وَمَعْبُودَاتٍ، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَفْطِنَ الْعَاقِلُ لِذَلِكَ وَيَتَذَكَّرَهُ بِالتَّذْكِيرِ بِهِ ; لِأَنَّهُ تَذْكِيرٌ بِمَا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ بِالْبُرْهَانِ، وَتَعْرِفُهُ الْفِطْرَةُ بِالْوِجْدَانِ، فَكَأَنَّهُ مِمَّا غَفَلَ عَنْهُ لَا مِمَّا جَهِلَهُ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لَهُ بِالْقُوَّةِ، وَفَسَّرَ ابْنُ جَرِيرٍ التَّذَكُّرَ هُنَا بِالِاعْتِبَارِ وَالِاتِّعَاظِ وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِيهِ: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى) (87: 9، 10) .
وَمِنَ الْعِبْرَةِ فِي الْآيَةِ أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ مِنَ الشِّرْكِ الَّذِي رَدَّهُ إِمَامُ الْمُوَحِّدِينَ إِبْرَاهِيمُ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - لَا يَزَالُ فَاشِيًا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُنْتَمِينَ فِي التَّوْحِيدِ إِلَى مِلَّتِهِ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْقِلُوا مَا تَقَدَّمَ مِنْ حُجَّتِهِ، فَهُمْ يَنْسُبُونَ إِلَى مَنْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لَهُمْ تَصَرُّفًا غَيْبِيًّا فِي الْمَخْلُوقَاتِ، سَوَاءٌ كَانُوا مِنَ الْأَحْيَاءِ أَوِ الْأَمْوَاتِ، مَا يَقَعُ عَقِبَ زِيَارَتِهِ لَهُمْ، أَوْ تَوَسُّلِهِمْ بِهِمْ، مِنْ زَوَالِ أَلَمٍ، أَوْ خَيْرٍ أَلَمَّ، أَوْ نَفْعٍ أَصَابَ حَبِيبًا دَعَوْا لَهُ، أَوْ ضُرٍّ أَصَابَ عَدُوًّا دَعَوْا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ مَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ بِسَبَبٍ حَقِيقِيٍّ جَلِيٍّ، أَوْ وَهْمِيٍّ خَفِيٍّ، وَكُلٌّ بِتَقْدِيرِ اللهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.
وَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَ لَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ لَا يَخَافُ شُرَكَاءَهُمْ بَلْ يَخَافُ اللهَ وَحْدَهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْأَسْبَابِ وَمِنْ غَيْرِ نَاحِيَتِهَا قَالَ:
(وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا)

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 480
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست