responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 477
(وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) يَصِلُ إِلَى نُورٍ بَعْدَ نُورٍ، وَيَتَخَيَّلُ إِلَيْهِ فِي أَوَّلِ مَا كَانَ يَلْقَاهُ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ، ثُمَّ كَانَ يُكْشَفُ لَهُ أَنَّ وَرَاءَهُ أَمْرًا فَيَتَرَقَّى إِلَيْهِ وَيَقُولُ قَدْ وَصَلْتُ، فَيُكْشَفُ لَهُ مَا وَرَاءَهُ حَتَّى وَصَلَ إِلَى الْحِجَابِ الْأَقْرَبِ الَّذِي لَا وُصُولَ إِلَّا بَعْدَهُ، فَقَالَ: (هَذَا أَكْبَرُ) فَلَمَّا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ مَعَ عِظَمِهِ غَيْرُ خَالٍ عَنِ الْهَوَى فِي حَضِيضِ النَّقْصِ وَالِانْحِطَاطِ عَنْ ذِرْوَةِ الْكَمَالِ (قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ. . . . إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي
فَطَرَ السَّمَاوَاتِ) . وَسَالِكُ هَذِهِ الطَّرِيقِ قَدْ يَغْتَرُّ فِي الْوُقُوفِ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْحُجُبِ، وَقَدْ يَغْتَرُّ بِالْحِجَابِ الْأَوَّلِ، وَأَوَّلُ الْحَجْبِ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ هُوَ نَفْسُهُ، فَإِنَّهُ أَيْضًا أَمْرٌ رَبَّانِيٌّ، وَهُوَ نُورٌ مِنْ أَنْوَارِ اللهِ تَعَالَى، أَعْنِي سِرَّ الْقَلْبِ الَّذِي تَتَجَلَّى فِيهِ حَقِيقَةُ الْحَقِّ كُلِّهِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَّسِعُ لِجُمْلَةِ الْعَالِمِ وَيُحِيطَ بِهِ، وَتَتَجَلَّى فِيهِ صُورَةُ الْكُلِّ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يُشْرِقُ نُورُهُ إِشْرَاقًا عَظِيمًا، إِذْ يَظْهَرُ فِيهِ الْوُجُودُ كُلُّهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مَحْجُوبٌ بِمِشْكَاةٍ هِيَ كَالسَّاتِرِ لَهُ، فَإِذَا تَجَلَّى نُورُهُ وَانْكَشَفَ جَمَالُ الْقَلْبِ بَعْدَ إِشْرَاقِ نُورِ اللهِ رُبَّمَا الْتَفَتَ صَاحِبُ الْقَلْبِ إِلَى الْقَلْبِ فَيَرَى مِنْ جَمَالِهِ الْفَائِقِ مَا يُدْهِشُهُ، وَرُبَّمَا يَسْبِقُ لِسَانُهُ فِي هَذِهِ الدَّهْشَةِ فَيَقُولُ: أَنَا الْحَقُّ، فَإِنْ لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ اغْتَرَّ بِهِ، وَوَقَفَ عَلَيْهِ وَهَلَكَ، وَكَانَ قَدِ اغْتَرَّ بِكَوْكَبٍ صَغِيرٍ مِنْ أَنْوَارِ الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَلَمْ يَصِلْ بَعْدُ إِلَى الْقَمَرِ فَضْلًا عَنِ الشَّمْسِ فَهُوَ مَغْرُورٌ. وَهَذَا مَحَلُّ الِالْتِبَاسِ، إِذِ الْمُتَجَلِّي يَلْتَبِسُ بِالْمُتَجَلَّى فِيهِ كَمَا يَلْتَبِسُ لَوْنُ مَا يَتَرَاءَى فِي الْمِرْآةِ بِالْمِرْآةِ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ لَوْنُ الْمِرْآةِ، وَكَمَا يَلْتَبِسُ مَا فِي الزُّجَاجِ بِالزُّجَاجِ كَمَا قِيلَ:
رَقَّ الزُّجَاجُ وَرَاقَتِ الْخَمْرُ ... فَتَشَابَهَا فَتَشَاكَلَ الْأَمْرُ
فَكَأَنَّمَا خَمْرٌ وَلَا قَدَحٌ ... وَكَأَنَّمَا قَدَحٌ وَلَا خَمْرٌ.
وَبِهَذِهِ الْعَيْنِ نَظَرَ النَّصَارَى إِلَى الْمَسِيحِ، فَرَأَوْا إِشْرَاقَ نُورِ اللهِ قَدْ تَلَأْلَأَ فِيهِ
فَغَلِطُوا فِيهِ، كَمَنْ رَأَى كَوْكَبًا فِي مِرْآةٍ أَوْ فِي مَاءٍ فَيَظُنُّ أَنَّ الْكَوْكَبَ فِي الْمِرْآةِ أَوْ فِي الْمَاءِ، فَيَمُدُّ يَدَهُ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ وَهُوَ مُغْرُورٌ ". اهـ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 477
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست