responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 434
فَكُلُّ نَفْسٍ تَأْتِيهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ - وَهُوَ تَعَالَى غَيْرُ رَاضٍ عَنْهَا - فَهِيَ مُبْسَلَةٌ بِمَا كَسَبَتْ مِنْ سَيِّئِ عَمَلِهَا.
(وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا) الْعَدْلُ - بِالْفَتْحِ - مَا عَادَلَ الشَّيْءَ وَسَاوَاهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) (5: 95) وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْفِدَاءِ ; لِأَنَّ الْفَادِيَ يَعْدِلُ الْمَفْدِيِّ بِمِثْلِهِ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَعَدْلُ هَذَا يَتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ بِهِ بِالْبَاءِ كَمَا قَالَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ: (بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) فَكُلُّ عَدْلٍ مَنْصُوبٌ هُنَا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ لَا الْمَفْعُولِيَّةِ، وَالْمَعْنَى: وَإِنْ تَفْدِ النَّفْسُ الْمُبْسَلَةُ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِدَاءِ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا - أَيْ لَا يَقَعُ الْأَخْذُ وَلَا يَحْصُلُ، فَهُوَ عَلَى حَدِّ أَكْلٍ مِنَ الْقَصْعَةِ وَسَيْرٍ مِنَ الْبَلَدِ ; لِأَنَّ الْعَدْلَ - وَهُوَ مَصْدَرٌ - لَا يُؤْخَذُ أَخْذًا، وَيَجُوزُ أَنْ يُضَمَّنَ الْأَخْذُ مَعْنَى الْقَبُولِ، وَأَنْ
يُعَادَ الضَّمِيرُ عَلَى الْعَدْلِ، وَهُوَ الْفِدَاءُ بِمَعْنَى الْمَفْدِيِّ بِهِ وَإِنْ عُدَّ هُنَا مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِخْدَامِ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَ الْعَدْلُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِمَعْنَى الْمَعْدُولِ بِهِ، أَيِ الْفِدْيَةِ، وَأُسْنِدَ إِلَى الْأَخْذِ وَإِلَى الْقَبُولِ، قَالَ: (وَاتَّقَوْا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) (2: 48) . وَقَالَ: (وَاتَّقَوْا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) (2: 123) .
وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا إِبْطَالُ أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الْوَثَنِيَّةِ، وَهُوَ تَعْلِيقُ النَّجَاةِ فِي الْآخِرَةِ - كَنَيْلِ كَثِيرٍ مِنَ الْمَقَاصِدِ فِي الدُّنْيَا - بِتَقْدِيمِ الْفِدْيَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ عِنْدَهُ أَيْ بِوَسَاطَةِ الْوُسَطَاءِ - وَتَقْرِيرُ أَصْلِ الدِّينِ الْإِلَهِيِّ وَهُوَ أَنَّ النَّجَاةَ فِي الْآخِرَةِ، وَرِضْوَانَ اللهِ، وَالْقِرَبَ مِنْهُ لَا تُنَالُ إِلَّا بِمَا شَرَعَهُ اللهُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ - وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي تَتَزَكَّى بِهِ الْأَنْفُسُ مَعَ الْإِيمَانِ الْإِذْعَانِيِّ بِاللهِ وَبِرُسُلِهِ وَمَا جَاءُوا بِهِ، وَمِنْ إِبْسَالِهِمْ كَسْبُهُمْ لِلسَّيِّئَاتِ وَالْخَطَايَا، وَاتِّخَاذُهُمُ الدِّينَ لَعِبًا وَلَهْوًا، وَغُرُورُهُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَلَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةٌ وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ فِدْيَةٌ.
(أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا) أَيْ أُولَئِكَ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذَكَرَهُمْ، الَّذِينَ أُسْلِمُوا لِلْهَلَكَةِ، وَارْتُهِنُوا، وَحُبِسُوا عَنْ دَارِ السَّعَادَةِ بِسَبَبِ مَا كَسَبُوا مِنَ الْأَوْزَارِ وَالْآثَامِ، حَتَّى أَحَاطَتْ بِهِمْ خَطَايَاهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ دِينِهِمُ الَّذِي اتَّخَذُوهُ لَعِبًا وَلَهْوًا مَا يَزْجُرُهُمْ عَنْهَا. وَمَاذَا يَكُونُ جَزَاؤُهُمْ بَعْدَ الْإِبْسَالِ؟ (لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ) أَيْ لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ مَاءٍ حَمِيمٍ، وَهُوَ الشَّدِيدُ الْحَرَارَةِ - وَيُطْلَقُ عَلَى الشَّدِيدِ الْبُرُودَةِ أَيْضًا - وَعَذَابٌ شَدِيدُ الْأَلَمِ بِسَبَبِ كُفْرِهِمُ الَّذِي ظَلُّوا مُسْتَمِرِّينَ عَلَيْهِ طُولَ حَيَاتِهِمْ، حَتَّى صَرَفَهُمْ عَمَّا جَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى - لَوِ اتَّبَعُوهُ - سَبَبَ نَجَاتِهِمْ. أَوِ التَّقْدِيرُ: أُولَئِكَ الْمُبْسَلُونَ بِكَسْبِهِمْ، لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِاسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ ; وَبِهَذَا ظَهَرَ الْفِرَقُ بَيْنَ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ بِالْكَسْبِ وَالتَّعْلِيلِ الثَّانِي بِالْكُفْرِ، فَالْأَوَّلُ ذُكِرَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي، وَالثَّانِي بِصِيغَةِ الْمُسْتَقْبَلِ الدَّالِّ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 434
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست