responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 432
يَسْتَعِدَّ لَهَا الْفَاسِقُونَ، أَمَّا اتِّخَاذُهُمْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا فَفِيهِ وُجُوهٌ، الْمُتَبَادِرُ مِنْهَا أَنَّ أَعْمَالَ دِينَهُمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ مُزَكِّيَةً لِلْأَنْفُسِ، وَلَا مُهَذِّبَةً لِلْأَخْلَاقِ، وَلَا وَاقِعَةً عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُرْضِي الرَّحْمَنَ وَيُعِدُّ الْمَرْءَ لِلِقَائِهِ فِي دَارِ الْكَرَامَةِ وَالرِّضْوَانِ، وَلَا مُصْلِحَةً لِشُئُونِ الِاجْتِمَاعِ وَالْعُمْرَانِ، كَانَتْ إِمَّا صَرْفًا لِلْوَقْتِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَهُوَ مَعْنَى اللَّعِبِ، وَإِمَّا شَاغِلَةٌ عَنْ بَعْضِ الْهُمُومِ وَالشُّئُونِ وَهُوَ اللهْوُ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي أَعْمَالِ الدِّينِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ كَالْمَوَاسِمِ وَالْأَعْيَادِ، وَقَدْ رُوِيَ الْقَوْلُ بِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا يُعَظِّمُونَهُ، وَيُصَلُّونَ فِيهِ، وَيُعَمِّرُونَهُ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ - أَكْثَرُهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ - اتَّخَذُوا عِيدَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا، غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُمُ اتَّخَذُوا عِيدَهُمْ كَمَا شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى. وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا مِمَّا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ لَا أَنَّهُ كُلُّ الْمُرَادِ مِنْهَا، وَهَذَا أَحَدُ وُجُوهٍ خَمْسَةٍ ذَكَرَهَا الرَّازِيُّ فِي الْآيَةِ وَجَعَلَهُ الرَّابِعَ.
وَأَمَّا الْوُجُوهُ الْأُخْرَى (فَأَوَّلُهَا) أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا دِينَهُمُ الَّذِي كُلِّفُوهُ وَدُعُوا إِلَيْهِ - وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ - لَعِبًا وَلَهْوًا حَيْثُ سَخِرُوا بِهِ وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ. (الثَّانِي) اتَّخَذُوا مَا هُوَ لَعِبٌ وَلَهْوٌ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ دِينًا لَهُمْ. (الثَّالِثُ) أَنَّ الْكَفَّارَ كَانُوا يَحْكُمُونَ فِي دِينِ اللهِ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي وَالتَّمَنِّي مِثْلَ تَحْرِيمِ السَّوَائِبِ وَالْبَحَائِرِ، وَمَا كَانُوا يَحْتَاطُونَ فِي أَمْرِ الدِّينِ أَلْبَتَّةَ، وَيَكْتَفُونَ فِيهِ بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ، فَعَبَّرَ اللهُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا. (الْخَامِسُ) قَالَ - وَهُوَ الْأَقْرَبُ -: إِنَّ الْمُحَقِّقَ فِي الدِّينِ هُوَ الَّذِي يَنْصُرُ الدِّينَ لِأَجْلِ أَنَّهُ أَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ وَصَوَابٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ يَنْصُرُونَهُ لِيَتَوَسَّلُوا بِهِ إِلَى أَخْذِ الْمَنَاصِبِ وَالرِّيَاسَةِ وَغَلَبَةِ الْخَصْمِ وَجَمْعِ الْأَمْوَالِ
فَهُمُ الَّذِينَ نَصَرُوا الدِّينَ لِلدُّنْيَا، وَقَدْ حَكَمَ اللهُ عَلَى الدُّنْيَا فِي سَائِرِ الْآيَاتِ بِأَنَّهَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ، فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا) هُوَ الْإِشَارَةُ إِلَى مَنْ يَتَوَسَّلُ بِدِينِهِ إِلَى دُنْيَاهُ، وَإِذَا تَأَمَّلْتَ فِي حَالِ أَكْثَرِ الْخَلْقِ وَجَدْتَهُمْ مَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَدَاخِلِينَ تَحْتَ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. اهـ.
أَقُولُ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ نَحْوًا مِنْ هَذَا فِي التَّفْسِيرِ (وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) وَقَدْ جَعَلَ هُوَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مُؤَيِّدَةً لَهُ، وَجَعَلَهُ هُوَ الْمُرَادَ مِنَ اللَّعِبِ وَاللهْوِ، ذَاهِلًا عَنْ كَوْنِهِ لَا يَظْهَرُ فِي كُفَّارِ قُرَيْشٍ الَّذِينَ قُصِدُوا بِهِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ اعْتَمَدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَفِيهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (لَكُمْ دِينَكُمْ وَلِيَ دِينِ) (109: 6) وَقَوْلُهُ: (لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا) (5: 57) فَاللهُ تَعَالَى لَا يُضِيفُ دِينَ الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفَّارِ. وَأَمَّا مَعْنَى غَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَهُوَ أَنَّهَا خَدَعَتْهُمْ وَأَغْفَلَتْهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَمَا هِيَ مُسْتَعِدَّةٌ لَهُ مِنَ الْكَمَالِ، وَعَنْ كَوْنِ الْبَعْثِ حَقًّا، وَالْعَدْلِ الْمَحْضَ مِنَ الْمُحَالِ، فَاشْتَغَلُوا بِلَذَّاتِهَا الْحَقِيرَةِ الْفَانِيَةِ الْمَشُوبَةِ بِالْمُنَغِّصَاتِ عَمَّا جَاءَهُمْ مِنَ الْحَقِّ مُؤَيَّدًا بِالْحُجَجِ الْقَيِّمَةِ وَالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، فَاسْتَبْدَلُوا الْخَوْضَ فِيهَا، بِمَا كَانَ يَجِبُ مِنْ فِقْهِهَا وَتُدَبُّرِهَا.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 432
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست