responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 278
لَا يَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُقَرِّبُونَهُمْ إِلَيْهِ زُلْفَى، فَأَنَا أَتَبَرَّأُ مِنْ دِينِكُمْ وَمِنْكُمْ. وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّنِي أُمِرْتُ بِالْإِسْلَامِ وَنُهِيتُ عَنِ الشِّرْكِ. كَذَا قِيلَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّ
حَاصِلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ.
وَبَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ الْمُبَيِّنِ لِأَصْلِ الدَّعْوَةِ وَأَسَاسِ الدِّينِ، وَكَوْنِ الدَّاعِي إِلَيْهِ مَأْمُورًا بِهِ كَغَيْرِهِ أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ بِقَوْلٍ آخَرَ فِي بَيَانِ جَزَاءِ مَنْ خَالَفَ مَا ذَكَرَ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ آنِفًا، وَأَنَّهُ عَامٌّ لَا هَوَادَةَ فِيهِ وَلَا شَفَاعَةَ تَحُولُ دُونَهُ فَقَالَ: (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظَيمٍ) قَدَّمَ ذِكْرَ الْخَوْفِ عَلَى شَرْطِهِ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَهَمُّ الْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ، وَشَرْطُ " إِنْ " لَا يَقْتَضِي الْوُقُوعَ، فَالْمَعْنَى إِنْ فُرِضَ وُقُوعُ الْعِصْيَانِ مِنِّي لِرَبِّي فَإِنَّنِي أَخَافُ أَنْ يُصِيبَنِي عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وُصِفَ بِالْعَظِيمِ لِعَظَمَةِ مَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ تَجَلِّي الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَمُحَاسَبَتِهِ لِلنَّاسِ وَمَجَازَاتِهِ لَهُمْ. وَحِكْمَةُ هَذَا التَّعْبِيرِ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ هَذَا الدِّينَ دِينُ اللهِ الْحَقُّ لَا مُحَابَاةَ فِيهِ لِأَحَدٍ، مَهْمَا يَكُنْ قَدْرُهُ عَظِيمًا فِي نَفْسِهِ. وَأَنَّ يَوْمَ الْجَزَاءِ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ بِالْمَعْنَى الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ وَلَا سُلْطَانَ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى فَيَتَّكِلُ عَلَيْهِ مَنْ يَعْصِيهِ، ظَنًّا أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ أَوْ يُنْجِيَهُ (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) وَإِذَا كَانَ خَوْفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَذَابِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ مُنْتَفِيًا لِانْتِفَائِهَا بِالْعِصْمَةِ فَخَوْفُ الْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ ثَابِتٌ لَهُ دَائِمًا.
(مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) أَيْ مَنْ يُصْرَفْ وَيُحَوَّلْ عَنْ ذَلِكَ الْعَذَابِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ حَتَّى يَكُونَ بِمَعْزِلٍ عَنْهُ، أَوْ مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ ذَلِكَ الْعَذَابُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَدْ رَحِمَهُ اللهُ بِإِنْجَائِهِ مِنَ الْهَوْلِ الْأَكْبَرِ، وَبِمَا وَرَاءَ النَّجَاةِ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ لِأَنَّ مَنْ لَا يُعَذَّبُ يَوْمَئِذٍ يَكُونُ مُنَعَّمًا حَتْمًا، وَذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ وَالتَّمَتُّعِ بِالنَّعِيمِ فِي دَارِ الْبَقَاءِ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ الظَّاهِرُ، وَقَدْ حَقَّقْنَا فِي تَفْسِيرِ آخِرِ السُّورَةِ السَّابِقَةِ (الْمَائِدَةِ) أَنَّ الْفَوْزَ إِنَّمَا يَكُونُ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ السَّلْبِيِّ وَالْإِيجَابِيِّ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا قِيلَ فِي أَهْلِ الْأَعْرَافِ عَلَى مَا يَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي سُورَتِهَا. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ (مَنْ يَصْرِفْ عَنْهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، أَيْ مِنْ يَصْرِفُهُ اللهُ عَنْهُ أَيْ عَنِ الْعَذَابِ إِلَخْ. وَيُؤَيِّدُهَا قِرَاءَةُ أُبَيٍّ (مَنْ يَصْرِفِ اللهُ) بِالظَّاهِرِ لِلْفَاعِلِ وَحَذْفِ الْمَفْعُولِ، وَلَعَلَّهُ قَالَ ذَلِكَ بِقَصْدِ التَّفْسِيرِ وَلَا يَمْنَعُنَا مِنَ الْجَزْمِ بِذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَصِحَّ أَنَّهُ كَتَبَ اسْمَ الْجَلَالَةِ فِي مُصْحَفِهِ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّتِ الْأَشْعَرِيَّةُ بِالْآيَةِ عَلَى أَنَّ الطَّاعَةَ لَا تُوجِبُ الثَّوَابَ وَالْمَعْصِيَةَ لَا تُوجِبُ الْعِقَابَ لِأَنَّهَا نَاطِقَةٌ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى وَفِعْلُ الْوَاجِبِ لَا يُسَمَّى رَحْمَةً، وَضَرَبُوا لِذَلِكَ الْأَمْثَالَ فِي أَفْعَالِ الْبَشَرِ، وَالْحَقُّ أَنَّ مِنْ أَفْعَالِ الرَّحْمَةِ الْبَشَرِيَّةِ مَا هُوَ وَاجِبٌ، وَمِنَ الْوَاجِبِ عَلَى النَّاسِ مَا هُوَ رَحْمَةٌ أَيْ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ رَحْمَةٌ، وَأَمَّا الْخَالِقُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ أَحَدٌ شَيْئًا إِذْ لَا سُلْطَانَ فَوْقَ سُلْطَانِهِ، وَلَهُ أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ مَا شَاءَ، وَقَدْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، أَيْ أَوْجَبَهَا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 278
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست