responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 263
(4) أَنَّهُمْ لَمَّا اقْتَرَحُوا مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ إِذْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُعْجِزِ مُطْلَقًا وَقَدْ حَصَلَ، لَا الْمُعْجِزِ الْخَاصِّ الَّذِي طَلَبُوهُ فَإِذَا أُعْطُوهُ كَانُوا عَلَى غَايَةِ الرُّسُوخِ فِي الْعِنَادِ الْمُنَاسِبِ لِلْإِهْلَاكِ وَعَدَمِ النَّظْرَةِ.
وَأَوَّلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَقْوَاهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي
سُورَةِ الْحِجْرِ: (مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ) (15: 8) أَيْ مَا كَانَ شَأْنُنَا الَّذِي مَضَتْ بِهِ سُنَّتُنَا أَنْ نُنَزِّلَ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْأَمْرِ الْحَقِّ، وَهُوَ الرِّسَالَةُ لِلرُّسُلِ أَوِ الْعَذَابِ لِلْأُمَمِ الَّذِينَ يُعَانِدُونَ الرُّسُلَ فَيَقْتَرِحُونَ عَلَيْهِمُ الْآيَاتِ الْمَخْصُوصَةِ وَيُعَلِّقُونَ إِيمَانَهُمْ عَلَيْهَا، ثُمَّ يُصِرُّونَ عَلَى جُحُودِهِمْ وَكُفْرِهِمْ بَعْدَ أَنْ يُعْطَوْهَا، فَلَوْ نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا إِذْ تَنْزِلُ إِلَّا هَالِكِينَ لَا يُنْظَرُونَ، أَيْ لَا يُمْهَلُونَ لِأَجَلِ أَنْ يُؤْمِنُوا. وَمَا كَانَ اللهُ لِيُهْلِكَ هَذِهِ الْأُمَّةَ، وَلَا مَنْ أَعْهَدُهُمْ لِلْهِدَايَةِ مِنْ قَوْمِ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، بِإِجَابَةِ اقْتِرَاحَاتِ أُولَئِكَ الْمُسْتَكْبِرِينَ الْمُعَانِدِينَ مِنْهُمْ، وَهُمْ إِنَّمَا يَقْتَرِحُونَ الْآيَاتِ لِأَجْلِ التَّعْجِيزِ دُونَ اسْتِبَانَةِ الْإِعْجَازِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ إِنْ أُعْطَوْهَا مَا كَانُوا بِهَا مُؤْمِنِينَ، وَبِذَلِكَ مَضَتِ السُّنَّةُ فِي أَمْثَالِهِمْ مِنَ الْغَابِرِينَ.
وَمِنْ نُكَتِ الْبَلَاغَةِ مَا بَيَّنَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ حِكْمَةِ الْعَطْفِ بِ (ثُمَّ) وَهِيَ إِفَادَةُ مَا بَيْنَ قَضَاءِ الْأَمْرِ وَعَدَمِ الْإِنْظَارِ مِنَ الْبُعْدِ: جَعْلُ عَدَمِ الْإِنْظَارِ أَشَدَّ مِنْ قَضَاءِ الْأَمْرِ; لِأَنَّ مُفَاجَأَةَ الشِّدَّةِ أَشَدُّ مِنْ نَفْسِ الشِّدَّةِ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) أَيْ لَوْ جَعَلَ الرَّسُولَ مَلَكًا لَجَعَلَ الْمَلَكَ مُتَمَثِّلًا فِي صُورَةِ بَشَرٍ، لِتَمْكِينِهِمْ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَسَمَاعِ كَلَامِهِ الَّذِي يُبَلِّغُهُ عَنِ اللهِ تَعَالَى، وَلَوْ جَعَلَهُ مَلَكًا فِي صُورَةِ بَشَرٍ لَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ بَشَرٌ لِأَنَّهُمْ لَا يُدْرِكُونَ مِنْهُ إِلَّا صُورَتَهُ وَصِفَاتِهِ الْبَشَرِيَّةَ الَّتِي تَمَثَّلَ بِهَا، وَحِينَئِذٍ يَقَعُونَ فِي نَفْسِ اللَّبْسِ وَالِاشْتِبَاهِ الَّذِي يُلْبِسُونَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِاسْتِنْكَارِ جَعْلِ الرَّسُولِ بَشَرًا، وَلَا يَنْفَكُّونَ يَقْتَرِحُونَ جَعْلَهُ مَلَكًا، وَقَدْ كَانُوا فِي غِنًى عَنْ هَذَا، وَإِنَّمَا شَأْنُهُمْ فِيهِ شَأْنُ أَكْثَرِ النَّاسِ حَتَّى الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ فِيمَا يُوقِعُونَ فِيهِ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ بِسُوءِ اخْتِيَارِهِمْ، وَمَا يَخْتَرِعُونَهُ مِنَ الشُّبَهَاتِ بِسُوءِ فَهْمِهِمْ، ثُمَّ يَحَارُونَ فِي أَمْرِ الْمَخْرِجِ مِنْهَا. مَادَّةُ ل ب س تَدُلُّ عَلَى السَّتْرِ وَالتَّغْطِيَةِ: يُقَالُ: لَبِسَ الثَّوْبَ يَلْبَسُهُ (بِكَسْرِ الْبَاءِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ) وَهُوَ مِنَ السَّتْرِ الْحِسِّيِّ. وَيُقَالُ: لَبَسَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ يَلْبِسُهُ (بِفَتْحِ بَاءِ الْأَوَّلِ وَكَسْرِ بَاءِ الثَّانِي) بِمَعْنَى سَتَرَهُ بِهِ، أَيْ جَعَلَهُ مَكَانَهُ لِيَظُنَّ أَنَّهُ الْحَقُّ، وَلَبَسْتُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ أَيْ جَعَلْتُهُ بِحَيْثُ يَلْتَبِسُ عَلَيْهِ فَلَا يَعْرِفُهُ وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ السَّتْرِ الْمَعْنَوِيِّ.
وَقَدْ عَلَّلَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ جَعْلَ الْمَلَكِ بِصُورَةِ الْبَشَرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِأَنَّ الْبَشَرَ
لَا يُطِيقُونَ رُؤْيَةَ الْمَلَائِكَةِ فِي صُورَتِهِمُ الْأَصْلِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ قَوْلُ مَنْ عَلَّلَ بِذَلِكَ قَضَاءَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 263
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست