responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 228
فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَعَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي آيَتَيْنِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَوِفَاقًا لِلْآيَاتِ الَّتِي تَنْفِي الشَّفَاعَةَ فِي الْآخِرَةِ بِإِطْلَاقٍ أَوْ تَنْفِي قَبُولَهَا، أَوْ تُقَيِّدُهَا عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِهَا بِمِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (21: 28) .
بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَفْوِيضِ عِيسَى أَمْرَ قَوْمِهِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِتِلْكَ الْعِبَارَةِ الْبَلِيغَةِ، فِي إِثْرِ تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ السَّدِيدَةِ، تَتَوَجَّهُ النَّفْسُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، وَتَسْأَلُ عَنْهُ بِلِسَانِ الْحَالِ أَوِ الْمَقَالِ إِنْ لَمْ تَسْمَعْهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
(قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) قَرَأَ الْجُمْهُورُ " يَوْمُ " بِالرَّفْعِ وَهُوَ خَبَرُ هَذَا، أَيْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَنْفَعُ فِيهِ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ فِي إِيمَانِهِمْ وَشَهَادَاتِهِمْ، وَفِي سَائِرِ أَقْوَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ. وَقَرَأَهُ نَافِعٌ بِالنَّصْبِ وَقِيلَ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْفَتْحِ أَيْ قَالَ اللهُ: هَذَا أَيِ الَّذِي قَالَهُ عِيسَى وَاقِعٌ أَوْ كَائِنٌ يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ. ثُمَّ بَيَّنَ هَذَا النَّفْعَ بَيَانًا مُسْتَأْنَفًا فَقَالَ:
(لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الْجُمْلَةُ الْأُولَى تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا مِرَارًا، وَأَمَّا الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ
بَيَانٌ لِلنَّعِيمِ الرُّوحَانِيِّ بَعْدَ ذِكْرِ النَّعِيمِ الْجُثْمَانِيِّ، فَإِنَّ رِضَا اللهِ تَعَالَى عَنْهُمْ وَرِضَاهُمْ عَنْهُ هُوَ غَايَةُ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ فِي نَفْسِهِ، وَفِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ عَطَايَاهُ تَعَالَى وَإِكْرَامِهِ، وَمِنْ كَوْنِهِمْ يَكُونُونَ نَاعِمِينِ بِذَلِكَ الْإِكْرَامِ مُغْتَبِطِينَ بِهِ، إِذْ لَا مَطْلَبَ لَهُمْ أَعْلَى مِنْهُ فَتَشْتَدُّ أَعْنَاقُهُمْ إِلَيْهِ وَتَسْتَشْرِفُ قُلُوبُهُمْ لَهُ حَتَّى يَتَوَقَّفَ رِضَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ سَعَادَةً فِي نَفْسِهِ فَيُعْلَمُ مِنْ حَالِ كُلِّ مَنْ كَانَ فِي كَنَفِ إِنْسَانٍ وَالِدٍ أَوْ أُسْتَاذٍ أَوْ قَائِدٍ أَوْ رَئِيسٍ أَوْ سُلْطَانٍ، فَإِنَّ عِلْمَهُ بِرِضَاهُ عَنْهُ يَجْعَلُهُ فِي غِبْطَةٍ وَهَنَاءٍ وَطُمَأْنِينَةِ قَلْبٍ، وَيَكُونُ سُرُورُهُ وَزَهْوُهُ بِذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مُقَامِ رَئِيسِهِ الرَّاضِي عَنْهُ، عَلَى حَدِّ الْبَيْتِ الَّذِي يَتَمَثَّلُ بِهِ الصُّوفِيَّةُ:
قَوْمٌ تَخَالَجَهُمْ زَهْوٌ بِسَيِّدِهِمْ ... وَالْعَبْدُ يُزْهَى عَلَى مِقْدَارِ مَوْلَاهُ.
عَلَى أَنَّ مَرْضَاةَ رُؤَسَاءِ الدُّنْيَا لَا يَسْتَلْزِمُ رِضَاءَ الْمَرْءُوسِينَ دَائِمًا; لِأَنَّ مِنْهُمُ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ لَا يُوفُونَ أَحَدًا حَقَّهُ وَإِنْ كَانُوا رَاضِينَ عَنْهُ، وَرَضْوَانُ أَكْرَمِ الْأَكْرَمِينَ يَسْتَلْزِمُ رِضَا مَنْ رَضِيَ هُوَ عَنْهُ لِأَنَّهُ يُعْطِيهِ أَضْعَافَ مَا يَسْتَحِقُّ، وَفَوْقَ مَا يُؤَمِّلُ وَيَرْجُو، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلم السَّجْدَةِ: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (32: 17) وَرِضْوَانُهُ تَعَالَى فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ بِمَعْنَى مَا هُنَا: (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (9: 72) .

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 228
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست