responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 401
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ) أَكَّدَ تَعَالَى بِالْقَسَمِ أَيْضًا كُفْرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ الَّذِي هُوَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، ثَالِثُ أَقَانِيمَ ثَلَاثَةٍ ; وَهِيَ: الْآبُ، وَالِابْنُ، وَرُوحُ الْقُدُسِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَهَذَا قَوْلٌ كَانَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ النَّصَارَى
قَبْلَ افْتِرَاقِ الْيَعْقُوبِيَّةِ وَالْمَلْكَانِيَّةِ وَالنُّسْطُورِيَّةِ، كَانُوا فِيمَا بَلَغْنَا يَقُولُونَ: الْإِلَهُ الْقَدِيمُ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ يَعُمُّ ثَلَاثَةَ أَقَانِيمَ ; أَبًا وَالِدًا غَيْرَ مَوْلُودٍ، وَابْنًا مَوْلُودًا غَيْرَ وَالِدٍ، وَزَوْجًا مُتَتَبِّعَةً بَيْنَهُمَا اهـ. فَكَانَ هُوَ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُؤَرِّخِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ يَرَوْنَ - بِحَسَبِ مَعْرِفَتِهِمْ بِحَالِ نَصَارَى زَمَنِهِمْ، وَمَا يَرْوُونَ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ - أَنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِنَ النَّصَارَى أَنَّ إِلَهَهُمْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ هُمْ غَيْرُ الْفِرْقَةِ الَّتِي تَقُولُ مِنْهُمْ: إِنِ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَأَنَّ ثَمَّ فَرِقَّةٌ ثَالِثَةٌ تَقُولُ: إِنَّ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللهِ، وَلَيْسَ هُوَ اللهَ، وَلَا ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ، وَأَمَّا النَّصَارَى الْمُتَأَخِّرُونَ فَالَّذِي نَعْرِفُهُ مِنْهُمْ وَعَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالثَّلَاثَةِ الْأَقَانِيمِ، وَبِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَيْنُ الْآخَرِ، فَالْآبُ عَيْنُ الِابْنِ، وَعَيْنُ رُوحِ الْقُدُسِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَسِيحُ هُوَ الِابْنُ كَانَ عَيْنُ الْآبِ وَرُوحِ الْقُدُسِ أَيْضًا، وَمِنَ الْعَجِيبِ أَنَّ بَعْضَ مُتَأَخِّرِي الْمُفَسِّرِينَ يَنْقُلُونَ أَقْوَالَ مَنْ قَبْلَهُمْ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَيُقِرُّونَهَا وَلَا يَبْحَثُونَ عَنْ حَالِ أَهْلِ زَمَانِهِمْ، وَلَا يَشْرَحُونَ حَقِيقَةَ عَقِيدَتِهِمْ، وَقَدْ سَبَقَ لَنَا بَيَانُ عَقِيدَةِ التَّثْلِيثِ، وَكَوْنِ النَّصَارَى أَخَذُوهَا عَنْ قُدَمَاءَ الْوَثَنِيِّينَ، فَارْجِعْ إِلَى تَفْسِيرِ (وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ) (4: 171) فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ، رَاجِعْ (ص71 وَمَا بَعْدَهَا ج 6 ط الْهَيْئَةِ) وَبَيَّنَّا قُبَيْلَهَا عَقِيدَةَ الصَّلْبِ وَالْفِدَاءِ، رَاجِعْ (ص20 وَمَا بَعْدَهَا ج 6 ط الْهَيْئَةِ) ثُمَّ بَيَّنَّا عَقِيدَةَ التَّثْلِيثِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ 17 مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ (ص253 وَمَا بَعْدَهَا ج 6 ط الْهَيْئَةِ) .
قَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ: (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ) أَيْ قَالُوا هَذَا بِلَا رَوِيَّةٍ وَلَا بَصِيرَةٍ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ ثَلَاثَةُ آلِهَةٍ، وَلَا اثْنَانِ، وَلَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، لَا يُوجَدُ إِلَهٌ مَا إِلَّا إِلَهٌ مُتَّصِفٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَهُوَ " اللهُ " الَّذِي لَا تَرْكِيبَ فِي ذَاتِهِ، وَلَا تَعَدُّدَ. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَشَدُّ تَأْكِيدًا لِنَفْيِ تَعَدُّدِ الْإِلَهِ مِنْ عِبَارَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ; لِأَنَّ (مِنْ) بَعْدَ (مَا) تُفِيدُ اسْتِغْرَاقَ النَّفْيِ وَشُمُولِهِ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُتَعَدِّدِ وَكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ، فَلَيْسَ ثَمَّ تَعْدَادُ ذَوَاتٍ وَأَعْيَانٍ، وَلَا تَعَدُّدُ أَجْنَاسٍ أَوْ أَنْوَاعٍ، وَلَا تَعَدُّدَ جُزْئِيَّاتٍ أَوْ أَجْزَاءٍ، وَالنَّصَارَى قَدِ اقْتَبَسُوا عَقِيدَةَ التَّثْلِيثِ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ، وَلَمْ يَفْهَمُوهَا، وَعُقَلَاؤُهُمْ يَتَمَنَّوْنَ لَوْ يَقْدِرُونَ عَلَى التَّفَصِّي مِنْهَا، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا أَنْكَرُوهَا، بَعْدَ هَذِهِ الشُّهْرَةِ تَبْطُلُ ثِقَةُ الْعَامَّةِ بِالنَّصْرَانِيَّةِ كُلِّهَا. كَمَا قَالَ أَحَدُ عُقَلَاءِ الْقُسُوسِ لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْعَصْرِيِّ مِنَ الشُّبَّانِ السُّورِيِّينَ.
وَمِنَ الْغَرِيبِ أَنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ لَا تُعْقَلُ، وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ يُحَاوِلُ تَأْنِيسَ النُّفُوسِ بِهَا، بِضَرْبِ أَمْثِلَةٍ لَا تَصْدُقُ عَلَيْهَا ; كَكَوْنِ الشَّمْسِ مُرَكَّبَةً مِنَ الْجِرْمِ الْمُشْتَعِلِ وَالنُّورِ وَالْحَرَارَةِ، قَالَ الشَّيْخُ نَاصِيفٌ الْيَازِجِيُّ:

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 401
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست