responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 380
لَمْ يَدِينُوا بِدِينِهِمْ، فَكَانَتْ عَدَاوَتُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَدَاوَةً سِيَاسِيَّةً جِنْسِيَّةً، لَيْسَتْ مِنْ طَبِيعَةِ الدِّينِ وَلَا مِنْ رُوحِهِ ; وَلِذَلِكَ كَانَ ضَلَعُ الْيَهُودِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي الشَّامِ وَالْأَنْدَلُسِ
لِمَا رَأَوْا عِنْدَ مُسْلِمِي الْعَرَبِ مِنَ الْعَدْلِ الْمُزِيلِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الرُّومُ وَالْقُوطُ مِنَ الْجَوْرِ عَلَيْهِمْ وَالظُّلْمِ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ عَدَاوَةُ النَّصَارَى لِلْمُسْلِمِينَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لِلْإِسْلَامِ سِيَاسِيَّةً ; وَلِذَلِكَ كَانَتْ عَلَى أَشُدِّهَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّومِ (الرُّومَانِ) الْمُسْتَعْمِرِينَ لِلْبِلَادِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْحِجَازِ ; كَالشَّامِ وَمِصْرَ، وَكَانَ نَصَارَى الْبِلَادِ أَقْرَبَ إِلَى الْمَيْلِ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مَا وَثِقُوا بِعَدْلِهِمْ لِمَا كَانُوا يُقَاسُونَ مِنْ ظُلْمِ الرُّومِ عَلَى كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ، وَهَذَا شَأْنُ النَّاسِ فِي الْعَدَاوَةِ وَالْمَوَدَّةِ أَبَدًا؛ يَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ مَصَالِحَهُمْ وَمَنَافِعَهُمْ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مَا ذُكِرَ وَصْفًا ذَاتِيًّا لَهُمْ أَوْ لِدِينِهِمْ، وَلْيَنْتَظِرَ الْقَارِئُ شَهَادَةَ اللهِ تَعَالَى لِلنَّصَارَى بِكَوْنِهِمْ أَقْرَبَ مَوَدَّةً لِلْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ آيَاتٍ قَلِيلَةٍ، فَتَحَتَّمَ أَنَّ الْعَدَاوَةَ مِنَ السِّيَاسَةِ لَا مِنَ الدِّينِ.
(وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) أَيْ إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فِيمَا يَأْتُونَهُ، أَوْ عَلَى مَا يَأْتُونَهُ مِنْ عَدَاوَةِ النَّبِيِّ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِيقَادِ نِيرَانِ الْحَرْبِ وَالْفِتَنِ وَالْقِتَالِ، مُصْلِحِينَ لِلْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ، أَوْ لِشُئُونِ الِاجْتِمَاعِ وَالْعُمْرَانِ، بَلْ كَانُوا يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ سَعْيَ فَسَادٍ، أَوْ لِأَجْلِ الْفَسَادِ، بِمُحَاوَلَةِ مَنْعِ اجْتِمَاعِ كَلِمَةِ الْعَرَبِ، وَخُرُوجِهِمْ مِنَ الْأُمِّيَّةِ إِلَى الْعِلْمِ، وَمِنَ الْوَثَنِيَّةِ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَبِالْكَيْدِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَتَشْكِيكِهِمْ فِي الدِّينِ ; حَسَدًا لَهُمْ، وَحُبًّا فِي دَوَامِ امْتِيَازِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، فَلَا يَصْلُحُ عَمَلُهُمْ، وَلَا يَنْجَحُ سَعْيُهُمْ ; لِأَنَّهُمْ مُضَادُّونَ لِحِكْمَتِهِ فِي صَلَاحِ النَّاسِ وَعُمْرَانِ الْبِلَادِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّ اللهَ أَبْطَلَ كُلَّ مَا كَادَهُ أُولَئِكَ الْأَقْوَامُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْعَرَبِ وَالْإِسْلَامِ، وَإِنَّ الْعَرَبَ لَمَّا اجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهَا، وَصَلُحَتْ حَالُهَا بِالْإِسْلَامِ أَصْلَحُوا بَيْنَ النَّاسِ، وَعَمَّرُوا الْأَرْضَ فِي كُلِّ بِلَادٍ كَانَ لَهُمْ فِيهَا سُلْطَانٌ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَكَانُوا مُفْسِدِينَ بِالظُّلْمِ، وَمُخَرِّبِينَ لِلْبِلَادِ. فَالْإِسْلَامُ يَأْمُرُ بِالصَّلَاحِ وَالْإِصْلَاحِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ، وَهُوَ مَا يُحِبُّهُ اللهُ تَعَالَى، فَلَمَّا قَامَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ حَقَّ الْقِيَامِ، أَيَّدَهُمْ وَنَصَرَهُمْ عَلَى جَمِيعِ مَنْ نَاوَأَهُمْ مِنَ الْأَقْوَامِ، وَكَذَلِكَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ مَا أُنْزِلَتْ إِلَّا لِهِدَايَةِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاحِ وَالْإِصْلَاحِ؛ وَإِنَّمَا كَانَ أَهْلُهَا مُفْسِدِينَ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ ; لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا هِدَايَتَهُمَا، كَمَا هُوَ شَأْنُ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْعَصْرِ، تَرَكُوا هِدَايَةَ الْقُرْآنِ، وَأَعْرَضُوا عَمَّا أَرْشَدَ إِلَيْهِ مِنَ الصَّلَاحِ وَالْإِصْلَاحِ، فَزَالَ مُلْكُهُمْ، وَسَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ غَيْرَهُمْ، وَقِسْ جَزَاءَ
الْآخِرَةِ عَلَى جَزَاءِ الدُّنْيَا، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُرَتَّبٌ بِحَسَبَ حِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى عَلَى صَلَاحِ النُّفُوسِ، وَالْإِصْلَاحِ فِي الْأَعْمَالِ، وَبِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْحَقِيقَةِ، قَالَ:
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أَيْ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِخَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَاتَّقَوُا بِاتِّبَاعِهِ تِلْكَ الْمَفَاسِدَ الَّتِي جَرَوْا عَلَيْهَا،

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 380
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست