responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 343
وَضْعَ اللهِ تَعَالَى لِلدِّينِ وَمُخَاطَبَةَ النَّاسِ بِهِ يُسَمَّى شَرْعًا بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ، وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَأَمَّا آيَةُ الْجَاثِيَةِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا: الشَّرِيعَةُ: الْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَهُوَ نَصٌّ فِيمَا ذَكَرْنَا مَنْ قَصْرِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ دُونَ الْعَقَائِدِ وَالْحِكَمِ وَالْعِبَرِ الَّتِي يَشْتَمِلُهَا الدِّينُ، وَالْمَشْهُورُ فِي عُرْفِ فُقَهَائِنَا وَعَامَّتِنَا أَنَّ الدِّينَ وَالشَّرْعَ أَوِ الشَّرِيعَةَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَكِنْ - مَعَ ذَلِكَ - تَرَى اسْتِعْمَالَ عِلْمِ الشَّرْعِ وَعُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ وَكُتُبِ الشَّرِيعَةِ أَلْصَقَ بِالْفِقْهِ وَكُتُبِهِ وَعُلَمَائِهِ مِنْهَا بِعِلْمِ الْعَقَائِدِ وَالْأَخْلَاقِ وَعُلَمَائِهَا وَكُتُبِهَا، وَتَجِدُ الْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ: يَجُوزُ هَذَا دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَتَحْرِيرُ الْقَوْلِ أَنَّ الشَّرِيعَةَ اسْمٌ لِلْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ، وَأَنَّهَا أَخَصُّ مِنْ كَلِمَةِ (الدِّينِ) وَإِنَّمَا تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الدِّينِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْعَامِلَ بِهَا يَدِينُ اللهَ تَعَالَى بِعَمَلِهِ وَيَخْضَعُ لَهُ وَيَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ ; مُبْتَغِيًا مَرْضَاتَهُ وَثَوَابَهُ بِإِذْنِهِ.
وَالْآيَةُ نَصٌّ فِي أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا، لَيْسَ شَرْعًا لَنَا مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَتِ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا) لِلِاخْتِصَاصِ الْحَصْرِيِّ أَمْ لَا، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِهِ مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) (42: 13) الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (6: 90) الْآيَةَ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا، فَأَمَّا الْآيَةُ الْأُولَى فَقَدْ بَيَّنَ مَا شَرَعَهُ تَعَالَى فِيهَا مِنَ التَّوْصِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (42: 13) فَهَذِهِ وَصِيَّةُ اللهِ إِلَى الْأُمَمِ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمِيعِ الرُّسُلِ ; فَهِيَ لَا تَدُلُّ عَلَى اتِّحَادِ شَرَائِعِهِمْ، بَلْ حَظْرِ الِاخْتِلَافَ فِي الدِّينِ ; لِأَنَّ الدِّينَ نَزَلَ لِإِزَالَةِ الْخِلَافِ الضَّارِّ وَإِصْلَاحِ
الْأُمَّةِ، فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ يَجْعَلُ الْإِصْلَاحَ إِفْسَادًا وَالدَّوَاءَ دَاءً ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) (98: 4) وَقَالَ: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينِ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (3: 105) وَلَوْ كَانَتِ الْآيَةُ عَامَّةً فِي الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ لَكَانَ مَعْنَاهَا أَنَّ مَا شَرَعَهُ اللهُ لَنَا هُوَ عَيْنُ مَا شَرَعَهُ لِنُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعْنَاهَا أَنَّنَا مُخَاطَبُونَ بِالْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ الَّتِي شَرَعَهَا اللهُ لِقَوْمِ نُوحٍ وَمَنْ بَعْدَهُ. وَكَوْنُ مَا شَرَعَهُ لَنَا هُوَ عَيْنَ مَا شَرَعَهُ لَهُمْ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) وَكَيْفَ يَتَصَوَّرُ عَاقِلٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ كُلَّ مَا شَرَعَهُ اللهُ لِقَوْمِ نُوحٍ هُوَ شَرْعٌ لَنَا إِذَا لَمْ يَرِدْ فِي شَرِيعَتِنَا مَا يَنْسَخُهُ؟ وَهُوَ خَبَرٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ إِذْ لَا عِلْمَ لَنَا بِمَا شَرَعَهُ تَعَالَى لِقَوْمِ نُوحٍ، وَكَلَامُ اللهِ مُنَزَّهٌ عَنِ الْعَبَثِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) فَقَدْ جَاءَ بَعْدَ ذِكْرِ هِدَايَتِهِ تَعَالَى لِطَائِفَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعَمَلُ بِشَرَائِعِهِمُ الْعَمَلِيَّةِ ; لِعَدَمِ إِعْلَامِهِ تَعَالَى بِهَا، وَعَدَمِ الثِّقَةِ بِإِعْلَامِ غَيْرِهِ إِنْ وُجِدَ، وَلِاخْتِلَافِهَا وَنَسْخِ بَعْضِهَا بَعْضًا. قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي الْعَقَائِدِ وَأُصُولِ الدِّينِ ; لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 343
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست