responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 332
يَنْقُلُونَ عَنْهُ فِي أَنَاجِيلِهِمْ، أَنَّهُ مَا جَاءَ لِيَنْقُضَ النَّامُوسَ (أَيْ شَرِيعَةَ التَّوْرَاةِ) وَإِنَّمَا جَاءَ لِيُتَمِّمَ ; أَيْ لِيَزِيدَ عَلَيْهَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَزِيدَ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْآدَابِ وَالْمَوَاعِظِ الرُّوحِيَّةِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: (وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) أَيْ أَعْطَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ مُشْتَمِلًا عَلَى هُدًى مِنَ الضَّلَالِ فِي الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ ; كَالتَّوْحِيدِ النَّافِي لِلْوَثَنِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَصْدَرُ الْخُرَافَاتِ وَالْأَبَاطِيلِ، وَنُورٌ يُبْصِرُ بِهِ طَالِبُ الْحَقِّ طَرِيقَهُ الْمُوَصِّلَ إِلَيْهِ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْأَمْثَالِ وَالْفَضَائِلِ وَالْآدَابِ، وَمُصَدِّقًا لِلتَّوْرَاةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْهُ ; أَيْ مُشْتَمِلًا عَلَى النَّصِّ بِتَصْدِيقِ التَّوْرَاةِ، وَهَذَا غَيْرُ تَصْدِيقِ الْمَسِيحِ لَهَا بِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ أَوْ حَالِهِ، وَصَفَهُ بِمِثْلِ مَا وَصَفَ بِهِ التَّوْرَاةَ، وَبِكَوْنِهِ مُصَدِّقًا لَهَا، ثُمَّ زَادَ فِي وَصْفِهِ عَطْفًا عَلَى تِلْكَ الْأَحْوَالِ
فَجَعَلَهُ نَفْسَهُ هُدًى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ، وَلَعَلَّهُ مَا انْفَرَدَ بِهِ مِنَ الْمَسَائِلِ الرُّوحِيَّةِ وَالْمَوَاعِظِ الْأَدَبِيَّةِ، وَزَلْزَلَةِ ذَلِكَ الْجُمُودِ الْإِسْرَائِيلِيِّ الْمَادِّيِّ، وَزَعْزَعَةِ ذَلِكَ الْغُرُورِ الَّذِي كَانَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِيسِيُّونَ مِنَ الْيَهُودِ مَفْتُونِينَ بِهِ. وَخُصَّ هَذَا النَّوْعُ بِالْمُتَّقِينَ ; لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ ; إِذْ لَا يَفُوتُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْكِتَابِ لِحِرْصِهِمْ عَلَيْهِ وَعِنَايَتِهِمْ بِهِ، وَالْحِكْمَةُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْهُدَى وَالْمَوْعِظَةِ فِقْهُ أَسْرَارِ الشَّرِيعَةِ وَمَعْرِفَةُ حِكْمَتِهَا وَالْمَقْصِدِ مِنْهَا، وَالْعِلْمُ بِأَنَّ وَرَاءَ تِلْكَ التَّوْرَاةِ وَهَذَا الْإِنْجِيلِ هِدَايَةً أَتَمَّ وَأَكْمَلَ، وَدِينًا أَعَمَّ وَأَشْمَلَ، وَهُوَ الَّذِي يَجِيءُ بِهِ النَّبِيُّ الْأَخِيرُ (الْبَارَقْلِيطُ) الْأَعْظَمُ، وَلَوْلَا زِلْزَالُ الْإِنْجِيلِ فِي جُمْلَتِهِ لِتِلْكَ التَّقَالِيدِ، وَزَعْزَعَتُهُ لِذَلِكَ الْغُرُورِ، وَأُنْسُ النَّاسِ بِمَا حُفِظَ مِنْ تَعَالِيمِهِ عِدَّةَ قُرُونٍ، لَمَا انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي سُورِيَّةَ وَمِصْرَ وَبَيْنَ النَّهْرَيْنِ بِتِلْكَ السُّرْعَةِ.
(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) قَرَأَ الْجُمْهُورُ " وَلْيَحْكُمْ " بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، وَهُوَ حِكَايَةٌ حُذِفَ مِنْهَا لَفْظُ الْقَوْلِ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، أَيْ وَقُلْنَا: لِيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَهُ اللهُ فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ ; أَيْ أَمَرْنَاهُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ، فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي أَهْلِ التَّوْرَاةِ: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا) كَذَا وَكَذَا، وَقَرَأَ حَمْزَةُ " وَلِيَحْكُمَ " بِكَسْرِ اللَّامِ ; أَيْ وَلِأَجْلِ أَنْ يَحْكُمَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ، وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: (وَهُدًى وَمَوْعِظَةً) مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ، وَعَطْفُ " وَلِيَحْكُمَ " عَلَيْهِ مَعَ إِظْهَارِ اللَّامِ لِاخْتِلَافِ الْفَاعِلِ. وَكَيْفَمَا قَرَأْتَ وَفَسَّرْتَ لَا تَجِدُ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَأْمُرُ النَّصَارَى فِي الْقُرْآنِ بِالْحُكْمِ بِالْإِنْجِيلِ، كَمَا يَزْعُمُ دُعَاةُ النَّصْرَانِيَّةِ بِمَا يُغَالِطُونَ بِهِ عَوَامَّ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى لَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ لِلتَّعْجِيزِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ ; فَإِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْعَمَلَ بِالْإِنْجِيلِ، وَلَنْ يَسْتَطِيعُوهُ، وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَحْثِ تَتِمَّةٌ.
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) أَيْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَارِجُونَ مِنْ حَظِيرَةِ الدِّينِ، الَّذِينَ لَا يُعَدُّونَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ، أَوِ الْخَارِجُونَ مِنَ الطَّاعَةِ لَهُ، الْمُتَجَاوِزُونَ لِأَحْكَامِهِ وَآدَابِهِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 332
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست