responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 329
بِهِ طَرِيقَ الِاسْتِقْلَالِ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينِ هَادُوا) أَنْزَلْنَاهَا قَانُونًا لِلْأَحْكَامِ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ - مُوسَى وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ - طَائِفَةً مِنَ الزَّمَانِ، انْتَهَتْ بِبَعْثَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وُجُوهَهُمْ لِلَّهِ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ; فَالْإِسْلَامُ دِينُ الْجَمِيعِ، وَكُلُّ مَا اسْتَحْدَثَهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ أَسْبَابِ التَّفَرُّقِ فِي الدِّينِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَضَلَالٌ مُبِينٌ؛ وَإِنَّمَا يَحْكُمُونَ لِلَّذِينِ هَادُوا - أَيِ الْيَهُودِ خَاصَّةً - لِأَنَّهَا شَرِيعَةٌ خَاصَّةٌ بِهِمْ لَا عَامَّةٌ ; وَلِذَلِكَ قَالَ
آخِرُهُمْ عِيسَى: لَمْ أُرْسَلْ إِلَّا إِلَى خِرَافِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ. وَلَمْ يَكُنْ لِدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَعِيسَى مِنْ دُونِهَا شَرِيعَةٌ (وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ) أَيْ وَيَحْكُمُ بِهَا الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ فِي الْأَزْمِنَةِ أَوِ الْأَمْكِنَةِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَنْبِيَاءُ أَوْ مَعَهُمْ بِإِذْنِهِمْ، وَالرَّبَّانِيُّونَ هُمُ الْمَنْسُوبُونَ إِلَى الرَّبِّ، إِمَّا بِمَعْنَى الْخَالِقِ الْمُدَبِّرِ لِأَمْرِ الْمُلْكِ ; لِأَنَّهُمْ يُعْنَوْنَ بِالْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ وَالتَّهْذِيبِ الرُّوحَانِيِّ، وَإِمَّا بِمَعْنَى مَصْدَرِ رَبَّهَ يَرُبُّهُ؛ أَيْ رَبَّاهُ ; لِأَنَّهُمْ يُرَبُّونَ أَنْفُسَهُمْ ثُمَّ غَيْرَهُمْ بِالْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ وَأَحَاسِنِ الْآدَابِ وَالْأَخْلَاقِ، وَهُمْ كِبَارُ كَهَنَتِهِمْ مِنَ اللَّاوِيِّينَ الصَّالِحِينَ. وَيُرْوَى عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا رَبَّانِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَعْنَى الْكَلِمَةِ فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ، وَالْأَحْبَارُ جَمْعُ حَبْرٍ، بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ الْعَالِمُ. وَمَادَّةُ حَبَرَ فِي اللُّغَةِ تَدُلُّ عَلَى الْجَمَالِ وَالزِّينَةِ الَّتِي تَسُرُّ النَّاسَ، وَشِعْرٌ مُحَبَّرٌ: مُزَيَّنٌ بِنُكَتِ الْبَلَاغَةِ، وَالْفَصَاحَةِ، وَثَوْبٌ مُحَبَّرٌ: مُزَيَّنٌ بِالنُّقُوشِ أَوِ الْوَشْيِ الْجَمِيلِ. وَمِنْهُ بُرْدٌ حِبَرَةٌ (بِالْكَسْرِ) وَحَبِيرٌ، وَهُوَ ثَوْبٌ ذُو خُطُوطٍ بِيضٍ وَسُودٍ أَوْ حُمْرٍ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْحَبْرِ عَلَى الْعَالِمِ مَأْخُوذًا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحِبْرِ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ، وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْحِبْرُ - بِالْكَسْرِ - الْأَثَرُ الْمُسْتَحْسَنُ. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَبْرُ الْعَالِمُ، وَجَمْعُهُ أَحْبَارٌ ; لِمَا يَبْقَى مِنْ أَثَرِ عُلُومِهِمْ، اهـ. وَأُطْلِقَ لَقَبُ حَبْرُ الْأُمَّةِ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، كَمَا أُطْلِقَ لَفْظُ الرَّبَّانِيِّ عَلَى عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى عَلَيْهِ الرِّضْوَانُ، وَالَّذِي يَسْبِقُ إِلَى فَهْمِي عِنْدَ ذِكْرِ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَارِ أَنَّ الرَّبَّانِيِّينَ عِنْدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَالْأَوْلِيَاءِ الْعَارِفِينَ عِنْدَنَا، وَالْأَحْبَارَ عِنْدَهُمْ كَعُلَمَاءِ الظَّاهِرِ عِنْدَنَا. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الرَّبَّانِيُّونَ جَمْعُ رَبَّانِيٍّ، وَهُمُ الْعُلَمَاءُ الْحُكَمَاءُ الْبُصَرَاءُ بِسِيَاسَةِ النَّاسِ وَتَدْبِيرِ أُمُورِهِمْ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِمْ. وَأَمَّا الْأَحْبَارُ فَإِنَّهُمْ جَمْعُ حَبْرٍ، وَهُوَ الْعَالِمُ الْمُحْكِمُ لِلشَّيْءِ. وَمَا قُلْنَاهُ أَظْهَرُ، وَهُوَ إِلَى اللُّغَةِ أَقْرَبُ. وَالتَّوْرَاةُ مُؤَنَّثَةُ اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهَا الشَّرِيعَةُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ) فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَحْكُمُونَ بِهَا بِسَبَبِ مَا أُودِعُوهُ مِنَ الْكِتَابِ، وَائْتُمِنُوا عَلَيْهِ، وَطُلِبَ مِنْهُمْ حِفْظُهُ ; أَيْ طَلَبَ مِنْهُمُ الْأَنْبِيَاءُ - مُوسَى وَمَنْ بَعْدَهُ - أَنْ يَحْفَظُوهُ وَلَا يُضَيِّعُوا مِنْهُ شَيْئًا، وَنَاهِيكَ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَهُ مُوسَى بِأَمْرِ اللهِ عَلَى شُيُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ أَنْ كَتَبَ التَّوْرَاةَ أَنْ يَحْفَظُوهَا وَلَا يَتَحَوَّلُوا عَنْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْمِيثَاقِ مِنْ أَوَاخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَأَوَائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ،
وَأَنَّهُمْ نَقَضُوا مِيثَاقَ اللهِ، وَلَمْ يُوفُوا بِهِ،

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 329
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست