responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 358
الْآخِرَةِ لَيْسَ بِالْأَمَانِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالْعَمَلِ وَالْإِيمَانِ، وَأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَ اللهِ بِالْقُلُوبِ وَالْأَعْمَالِ، وَالْحَقِيقَةُ وَاحِدَةٌ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ، وَلَا تَتَبَدَّلُ بِتَبْدِيلِ الْأَجْيَالِ وَالْآجَالِ، ثُمَّ زَادَ هَذَا بَيَانًا بِهَذِهِ الْآيَةِ فَبَيَّنَ أَنَّ صَفْوَةَ الْأَدْيَانِ الَّتِي يَنْتَحِلُهَا النَّاسُ هِيَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ فِي إِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ وَإِحْسَانِ الْعَمَلِ، وَعَبَّرَ عَنْ تَوَجُّهِ الْقَلْبِ بِإِسْلَامِ الْوَجْهِ لِأَنَّ الْوَجْهَ أَعْظَمُ مَظْهَرٍ لِمَا فِي النَّفْسِ مِنَ الْإِقْبَالِ وَالْإِعْرَاضِ وَالْخُشُوعِ وَالسُّرُورِ وَالْكَآبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَدْ يُظْهِرُ بَعْضُ النَّاسِ الْخُضُوعَ أَوِ الِاحْتِرَامَ لِلْآخَرِ بِإِشَارَةِ الْيَدِ، وَلَكِنَّ هَذَا يَكُونُ بِالتَّعَمُّلِ وَيُعْرَفُ بِالْمُوَاضَعَةِ، وَمَا يَظْهَرُ فِي الْوَجْهِ
هُوَ الْفِطْرِيُّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى السَّرِيرَةِ، وَهُوَ يَتَمَثَّلُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَالْعَيْنَيْنِ وَالْجَبْهَةِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْحَرَكَةِ، فَإِسْلَامُ الْوَجْهِ لِلَّهِ هُوَ تَرْكُهُ لَهُ، بِأَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ وَحْدَهُ فِي طَلَبِ حَاجَاتِهِ وَإِظْهَارِ عُبُودِيَّتِهِ، وَهُوَ كَمَالُ التَّوْحِيدِ وَأَعْلَى دَرَجَاتِ الْإِيمَانِ، وَأَمَّا الْإِحْسَانُ فَهُوَ إِحْسَانُ الْعَمَلِ - خِلَافًا لِلْجَلَالِ فِيهِمَا إِذَا عُكِسَ - وَاتِّبَاعُ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ يُرَادُ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (42: 13) ، فَإِقَامَةُ الدِّينِ مَرْتَبَةٌ فَوْقَ مَرْتَبَةِ التَّدَيُّنِ الْمُطْلَقِ، وَهِيَ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ بِحَيْثُ يَقُومُ بِنَاؤُهُ وَيَثْبُتُ، وَعَدَمُ التَّفَرُّقِ فِيهِ وَالتَّعَادِي بَيْنَ أَهْلِهِ.
وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، أَيْ: اصْطَفَاهُ لِتَوْحِيدِهِ وَإِقَامَةِ دِينِهِ فِي زَمَنٍ وَبِلَادٍ غَلَبَتْ عَلَيْهَا الْوَثَنِيَّةُ، وَقَوْمٍ أَفْسَدَ الشِّرْكُ عُقُولَهُمْ وَدَنَّسَ فِطْرَتَهُمْ، فَكَانَ إِبْرَاهِيمُ خَالِصًا مُخْلِصًا لِلَّهِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى سَمَّاهُ اللهُ خَلِيلًا، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُكْرِمَ عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ أَطْلَقَ عَلَيْهِ مَا شَاءَ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْمَعْنَى الْمُتَبَادِرَ مِنْ لَفْظِ الْخَلِيلِ فِي اسْتِعْمَالِنَا لَهُ يَتَنَزَّهُ اللهُ عَنْهُ، فَإِنَّ الْخُلَّةَ بَيْنَ الْخَلِيْلَيْنِ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ مِنْ مَادَّةِ التَّخَلُّلِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الِامْتِزَاجِ وَالِاخْتِلَاطِ اهـ.
أَقُولُ: يُطْلَقُ الْخَلِيلُ بِمَعْنَى الْحَبِيبِ أَوِ الْمُحِبِّ لِمَنْ يُحِبُّهُ إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَحَبَّةُ خَالِصَةً مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ بِحَيْثُ لَمْ تَدَعْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا مَوْضِعًا لِحُبٍّ آخَرَ، وَهُوَ مِنَ الْخُلَّةِ - بِالضَّمِّ - أَيِ الْمَحَبَّةُ وَالْمَوَدَّةُ الَّتِي تَتَخَلَّلُ النَّفْسَ وَتُمَازِجُهَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
قَدْ تَخَلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي ... وَبِهِ سُمِّيَ الْخَلِيلُ خَلِيلًا
وَاللهُ يُحِبُّ الْأَصْفِيَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَيُحِبُّونَهُ، وَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ كَامِلَ الْحُبِّ لِلَّهِ ; وَلِذَلِكَ عَادَى أَبَاهُ وَقَوْمَهُ وَجَمِيعَ النَّاسِ فِي حُبِّهِ تَعَالَى وَالْإِخْلَاصِ لَهُ، وَقِيلَ: إِنَّ الْخَلِيلَ هُنَا مُشْتَقٌّ مِنَ الْخَلَّةِ - بِفَتْحِ الْخَاءِ - وَهِيَ الْحَاجَةُ ; لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ مَا كَانَ يَشْعُرُ بِحَاجَتِهِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى قَالَ فِي الْحَاجَاتِ الْعَادِيَّةِ الَّتِي تَكُونُ بِالتَّعَاوُنِ بَيْنَ النَّاسِ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (26: 78، 79) ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَكْمَلُ، وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ هَذِهِ الْخُلَّةِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ الْإِيمَانِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا إِبْرَاهِيمُ ;
لِيَتَذَكَّرَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 358
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست