responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 357
سَمُّوا الِاهْتِدَاءَ بِهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ الَّذِي أُقْفِلَ دُونَهُمْ بَابُهُ، وَانْقَرَضَ فِي حُكْمِهِمْ أَرْبَابُهُ، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الِاهْتِدَاءِ بِالْقُرْآنِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِنْبَاطِ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَقَدْ كَانَ عَامَّةُ أَهْلِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُهْتَدِينَ، وَلَمْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ أَئِمَّةً مُسْتَنْبِطِينَ، وَقَدْ يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ، فَيَا أَهْلَ الْقُرْآنِ! لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا الْقُرْآنَ، وَتَهْتَدُوا بِهَدْيِهِ فِي الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ، وَتَبْذُلُوا فِي سَبِيلِهِ الْأَنْفُسَ وَالْأَمْوَالَ وَإِلَّا فَقَدْ رَأَيْتُمْ مَا حَلَّ بِكُمْ بَعْدَ تَرْكِ هِدَايَتِهِ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ، وَضَيَاعِ الْمُلْكِ وَسُوءِ الْحَالِ فَإِلَى مَتَى هَذَا الْغُرُورُ وَالْإِهْمَالُ، وَحَتَّامَ تَتَعَلَّلُونَ بِالْأَمَانِيِّ وَكَوَاذِبِ الْآمَالِ؟
هَذَا وَمَنْ أَرَادَ زِيَادَةَ الْبَصِيرَةِ فِي غُرُورِ الْمُسْلِمِينَ بِدِينِهِمْ عَلَى تَقْصِيرِهِمْ فِي الْعَمَلِ بِهِ وَفِي نَشْرِهِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ فَلْيُرَاجِعْ كِتَابَ الْغُرُورِ فِي آخِرِ الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْإِحْيَاءِ لِلْغَزَالِيِّ وَلَوْلَا أَنَّنِي الْآنَ حِلْفُ أَسْفَارٍ، لَا يَقِرُّ لِي فِي بَلَدٍ قَرَارٌ، لَأَطَلْتُ بَعْضَ الْإِطَالَةِ فِي بَيَانِ الْغُرُورِ وَالْمُغْتَرِّينَ، وَالْأَمَانِيِّ وَالْمُتَمَنِّينَ، إِثَارَةً لِكَوَامِنِ الْعِبْرَةِ وَاسْتِدْرَارًا لِبَوَاخِلِ الْعِبْرَةِ، وَلَيْسَ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ شَيْءٌ مِنَ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ أَمْرَ النَّجَاةِ بَلِ السَّعَادَةِ مَنُوطٌ بِالْعَمَلِ وَالْإِيمَانِ مَعًا، أَتْبَعُ ذَلِكَ
بَيَانَ دَرَجَةِ الْكَمَالِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَقَالَ:
وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ، أَيْ: لَا أَحَدَ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ جَعَلَ قَلْبَهُ سَلَمًا خَالِصًا لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا يَتَوَجَّهُ إِلَى غَيْرِهِ فِي دُعَاءٍ وَلَا رَجَاءٍ، وَلَا يَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابًا مِنَ الْوُسَطَاءِ وَالْحُجَّابِ، بَلْ يَكُونُ مُوَحِّدًا صِرْفًا لَا يَرَى فِي الْوُجُودِ إِلَّا اللهَ وَآثَارَ صِفَاتِهِ وَسُنَنِهِ فِي رَبْطِ الْأَسْبَابِ بِالْمُسَبِّبَاتِ، فَلَا يَطْلُبُ شَيْئًا إِلَّا مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ، وَلَا يَأْتِي بُيُوتَ هَذِهِ الْخَزَائِنِ إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا وَهِيَ السُّنَنُ وَالْأَسْبَابُ وَلَا يَدْعُو مَعَهُ وَلَا مِنْ دُونِهِ أَحَدًا فِي تَيْسِيرِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَتَسْهِيلِ الطُّرُقِ وَتَذْلِيلِ الصِّعَابِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا الْإِيمَانِ الْخَالِصِ، وَالتَّوْحِيدِ الْكَامِلِ مُحْسِنٌ فِي عَمَلِهِ، مُتْقِنٌ لِكُلِّ مَا يَأْخُذُ بِهِ، مُتَخَلِّقٌ بِأَخْلَاقِ اللهِ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَأَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ صَنَعَهُ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، أَيْ: وَاتَّبَعَ فِي دِينِهِ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا أَيْ: حَالَ كَوْنِهِ حَنِيفًا مِثْلَ إِبْرَاهِيمَ، أَوْ حَالَ كَوْنِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، أَيْ: اتَّبَعَهُ فِي حَنِيفِيَّتِهِ، الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَهِيَ مَيْلُهُ عَنِ الْوَثَنِيَّةِ وَأَهْلِهَا وَتَبَرُّؤُهُ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَبُوهُ وَقَوْمُهُ مِنْهَا وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (43: 26 - 28) ، أَيْ: جَعَلَ الْبَرَاءَةَ مِنَ الشِّرْكِ وَنَزَغَاتِهِ وَتَقَالِيدِهِ وَالِاعْتِصَامِ بِالتَّوْحِيدِ الْخَالِصِ كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ يَدْعُو إِلَيْهَا النَّبِيُّونَ وَالْمُرْسَلُونَ مِنْهُمْ.
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: تَقَدَّمَ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ وَصْفُ الضَّالِّينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَعْمِلُونَ عُقُولَهُمْ فِي فَهْمِ الدِّينِ وَآيَاتِهِ، وَذِكْرُ حَظِّ الشَّيْطَانِ مِنْهُمْ وَإِشْغَالِهِمْ بِالْأَمَانِيِّ الْخَادِعَةِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ أَمْرَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 357
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست