responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 322
فِيمَا يَحْكُمُ وَيَأْمُرُ بِهِ، فَكَانَ هَذَا الِانْتِقَالُ فِي بَيَانِ وَاقِعَةٍ اشْتَرَكَ فِيهَا الْخِصَامُ بَيْنَ مَنْ سَبَقَ الْقَوْلُ فِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ سَبَقَ شَرْحُ أَحْوَالِهِمْ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ فَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ أَيْ: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ بِتَحْقِيقِ الْحَقِّ وَبَيَانِهِ لِأَجْلِ أَنْ تَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا عَلَّمَكَ اللهُ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ فَاحْكُمْ بِهِ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا، تُخَاصِمُ عَنْهُمْ وَتُنَاضِلُ دُونَهُمْ، وَهُمْ طُعْمَةُ وَقَوْمُهُ الَّذِينَ سَرَقُوا الدِّرْعَ وَأَرَادُوا أَنْ يُلْصِقُوا جُرْمَهُمْ بِالْيَهُودِيِّ الْبَرِيءِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي السُّورَةِ الْآتِيَةِ: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ (5: 49) ، فَالْحَقُّ هُوَ الْمَطْلُوبُ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ يَهُودِيًا أَوْ مَجُوسِيًّا، أَوْ مُسْلِمًا حَنِيفِيًّا، قَالَ شَيْخُ الْمُفَسِّرِينَ ابْنُ جَرِيرٍ: بِمَا أَرَاكَ اللهُ، يَعْنِي بِمَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فِي كِتَابِهِ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا، يَقُولُ: وَلَا تَكُنْ لِمَنْ خَانَ مُسْلِمًا أَوْ مُعَاهِدًا فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ خَصِيمًا تُخَاصِمُ عَنْهُ وَتُدَافِعُ عَنْهُ مَنْ طَالَبَهُ بِحَقِّهِ الَّذِي خَانَهُ فِيهِ اهـ، وَتَسْمِيَةُ إِعْلَامِهِ - تَعَالَى - لِنَبِيِّهِ بِالْأَحْكَامِ إِرَاءَةٌ يَشْعُرُ بِأَنَّ عِلْمَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا يَقِينِيٌّ كَالْعِلْمِ بِمَا يَرَاهُ بِعَيْنِهِ فِي الْجَلَاءِ وَالْوُضُوحِ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، فَعَطْفُهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْمُفْرَدِ عَلَى الْمُفْرَدِ الْمُشَارِكِ لَهُ فِي الْحُكْمِ، بَلْ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْجُمْلَةِ الِابْتِدَائِيَّةِ عَلَى جُمْلَةٍ قَبْلَهَا لِارْتِبَاطِهِمَا بِالْمَعْنَى الْعَامِّ، وَالْمَعْنَى: وَلَا تَتَهَاوَنْ بِتَحَرِّي الْحَقِّ اغْتِرَارًا بِلَحْنِ الْخَائِنِينَ، وَقُوَّةِ صَلَابَتِهِمْ فِي الْخُصُومَةِ ; لِئَلَّا تَكُونَ خَصِيمًا لَهُمْ وَتَقَعَ فِي وَرْطَةِ الدِّفَاعِ عَنْهُمْ، وَهَذَا الْخِطَابُ لَيْسَ خَاصًّا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; بَلْ هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ كَمَا أَمَرَ اللهُ، أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ
أَنْ يَكُونَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي بِنَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ.
وَمِنْ مَبَاحِثِ الْأُصُولِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَسْأَلَةُ حُكْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَحْيِ فَقَطْ، أَوْ بِالْوَحْيِ تَارَةً وَبِالِاجْتِهَادِ أُخْرَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: أَرَاكَ اللهُ مَعْنَاهُ: أَعْلَمَكَ عِلْمًا يَقِينِيًّا كَالرُّؤْيَةِ فِي الْقُوَّةِ وَالظُّهُورِ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا الْوَحْيُ الَّذِي يَفْهَمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ مُرَادَ اللهِ فَهْمًا قَطْعِيًّا، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ: " لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ قَضَيْتُ بِمَا أَرَانِي اللهُ - تَعَالَى -، فَإِنَّ اللهَ - تَعَالَى - لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ إِلَّا لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا أَحَدُنَا فَرَأْيُهُ أَنْ يَكُونَ ظَنًّا لَا عِلْمًا "، ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ ثُمَّ قَالَ:
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ يَحْكُمُ إِلَّا بِالْوَحْيِ وَالنَّصِّ، ثُمَّ فَرَّعَ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ مَا كَانَ جَائِزًا لَهُ، وَإِنَّمَا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 322
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست