responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 291
الْآخِرَةِ بِإِقَامَةِ الْحَقِّ، فَظُلْمُهُمْ
لِأَنْفُسِهِمْ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِهِمُ الْعَمَلَ بِالْحَقِّ خَوْفًا مِنَ الْأَذَى، وَفَقْدُ الْكَرَامَةِ عِنْدَ عُشَرَائِهِمُ الْمُبْطِلِينَ، وَهَذَا الِاعْتِذَارُ هُوَ نَحْوٌ مِمَّا يَعْتَذِرُ بِهِ الَّذِينَ جَارَوْا أَهْلَ الْبِدَعِ عَلَى بِدَعِهِمْ فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَعْصَارِ، يَعْتَذِرُونَ بِأَنَّهُمْ يَجُبُّونَ الْغَيْبَةَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَيُدَارُونَ الْمُبْطِلِينَ، وَهُوَ عُذْرٌ بَاطِلٌ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ إِقَامَةُ الْحَقِّ مَعَ احْتِمَالِ الْأَذَى فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوِ الْهِجْرَةُ إِلَى حَيْثُ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ إِقَامَةِ دِينِهِمْ، وَلِلْفُقَهَاءِ خِلَافٌ فِي الْهِجْرَةِ، هَلْ وُجُوبُهَا مَضَى أَوْ هُوَ مُسْتَمِرٌّ فِي كُلِّ زَمَانٍ؟ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْوُجُوبِ (قَالَ) : وَلَا مَعْنَى عِنْدِي لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْهِجْرَةِ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي يُمْنَعُ فِيهَا الْمُؤْمِنُ مِنَ الْعَمَلِ بِدِينِهِ، أَوْ يُؤْذَى فِيهِ إِيذَاءً لَا يَقْدِرُ عَلَى احْتِمَالِهِ، وَأَمَّا الْمُقِيمُ فِي دَارِ الْكَافِرِينَ، وَلَكِنَّهُ لَا يُمْنَعُ وَلَا يُؤْذَى إِذَا هُوَ عَمِلَ بِدِينِهِ، بَلْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَ جَمِيعَ أَحْكَامِهِ بِلَا نَكِيرٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُهَاجِرَ، وَذَلِكَ كَالْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِ الْإِنْكِلِيزِ لِهَذَا الْعَهْدِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَتِ الْإِقَامَةُ فِي دَارِ الْكُفْرِ سَبَبًا لِظُهُورِ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ، وَإِقْبَالِ النَّاسِ عَلَيْهِ اهـ، أَيْ: إِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ الْمُقِيمُونَ هُنَالِكَ عَلَى حُرِّيَّتِهِمْ يُعَرِّفُونَ حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ، وَيُبَيِّنُونَهَا لِلنَّاسِ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ.
قَالَ تَعَالَى: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ، دَلَّ الْوَعِيدُ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ اعْتَذَرُوا عَنْ عَدَمِ إِقَامَةِ دِينِهِمْ وَعَدَمِ الْفِرَارِ بِهِ هِجْرَةً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ غَيْرُ صَادِقِينَ فِي اعْتِذَارِهِمْ، فَإِنَّ الِاسْتِضْعَافَ الْحَقِيقِيَّ عُذْرٌ صَحِيحٌ وَلِذَلِكَ اسْتُثْنِيَ أَهْلُهُ مِنَ الْوَعِيدِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَقَرْنُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ فِيهَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّجَالِ الشُّيُوخُ الضُّعَفَاءُ وَالْعَجَزَةُ الَّذِينَ هُمْ كَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا، أَيْ قَدْ ضَاقَتْ بِهِمُ الْحِيَلُ كُلُّهَا فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا رُكُوبَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الطَّرِيقُ جَمِيعُهَا فَلَمْ يَهْتَدُوا طَرِيقًا مِنْهَا، إِمَّا لِلزِّمَانَةِ وَالْمَرَضِ، وَإِمَّا لِلْفَقْرِ وَالْجَهْلِ بِمَسَالِكِ الْأَرْضِ وَأَخْرَاتِهَا وَمَضَايِقِهَا، قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: بِحَيْثُ لَوْ خَرَجُوا هَلَكُوا، أَيْ: بِرُكُوبِ التَّعَاسِيفِ أَوْ قِلَّةِ الزَّادِ أَوْ عَدَمِ الرَّاحِلَةِ، وَفَسَّرَ بَعْضُهُمُ الْوِلْدَانَ هُنَا بِالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هُمُ الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ
أَنَا وَأُمِّي مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى الْهِجْرَةِ سَبِيلًا، وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْأَوْلَادَ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ فَلَا يَتَنَاوَلُهُمُ الْوَعِيدُ فَيُحْتَاجُ إِلَى اسْتِثْنَائِهِمْ، وَأَجَابَ فِي الْكَشَّافِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُرَاهِقِينَ مِنْهُمُ الَّذِينَ عَقَلُوا مَا يَعْقِلُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَيَلْحَقُوا بِهِمْ فِي التَّكْلِيفِ، أَقُولُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا قَدْ ذُكِرُوا تَبَعًا لِوَالِدَيْهِمْ ; لِأَنَّهُمْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 291
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست