responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 241
وَبِالِاسْتِدْلَالِ بِهِ، فَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَيْنَا مَا أَوْجَبَهُ، الْأَئِمَّةُ الْمُجْتَهِدُونَ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الِاهْتِدَاءِ بِالْقُرْآنِ وَعَلَى الْمَنْعِ مِنَ التَّقْلِيدِ الَّذِي يَصُدُّ عَنْهُ وَيَقْتَضِي هَجْرَهُ، وَلَمْ يَجْعَلُوا أَنْفُسَهُمْ شَارِعِينِ يُطَاعُونَ، وَإِنَّمَا كَانُوا أَدِلَّاءَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ، مَا قَالَ بِوُجُوبِ التَّقْلِيدِ وَتَحْرِيمِ الِاسْتِقْلَالِ إِلَّا بَعْضَ الْمُقَلِّدِينَ الَّذِينَ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ قَوْلٌ يُتَّبَعُ وَلَا أَمْرٌ يُطَاعُ، وَكَانَ ذَلِكَ دَسِيسَةً مِنَ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ الْمُسْتَبِدِّينَ، لِيُذَلِّلُوا النَّاسَ وَيَسْتَعْبِدُوهُمْ بِاسْمِ الدِّينِ، وَكَذَلِكَ كَانَ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ قَبُولَ الِاسْتِبْدَادِ وَاتِّبَاعَ الْقُرْآنِ ضِدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَمَا نَبَغَ عَالِمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ نَشَئُوا عَلَى التَّقْلِيدِ إِلَّا وَحَارَبَهُ بَعْدَ نُبُوغِهِ، كَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ الَّذِي نَقَلْنَا
قَوْلَهُ آنِفًا، وَلَهُ أَقْوَالٌ فِي ذَلِكَ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ نَقَلْنَا بَعْضَهَا مِنْ قَبْلُ، وَغَيْرِهِ كَثِيرُونَ.
لَسْنَا نَعْنِي بِبُطْلَانِ التَّقْلِيدِ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ كُلِّهَا فَيَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَدَبَّرَ الْقُرْآنَ، وَيَهْتَدِيَ بِهِ بِحَسَبِ طَاقَتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ قَطُّ أَنْ يَهْجُرَهُ وَيُعْرِضَ عَنْهُ، وَلَا أَنْ يُؤَثِّرَ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ مِنْ هِدَايَتِهِ كَلَامُ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ لَا مُجْتَهِدِينَ وَلَا مُقَلِّدِينَ، فَإِنَّهُ لَا حَيَاةَ لِلْمُسْلِمِ فِي دِينِهِ إِلَّا بِالْقُرْآنِ، وَلَا يُوجَدُ كِتَابٌ لِإِمَامٍ مُجْتَهِدٍ، وَلَا لِمُصَنِّفٍ مُقَلِّدٍ، يُغْنِي عَنْ تَدَبُّرِ كِتَابِ اللهِ فِي إِشْعَارِ الْقُلُوبِ عَظَمَةَ اللهِ - تَعَالَى - وَخَشِيَتَهُ وَحُبَّهُ وَالرَّجَاءَ فِي رَحْمَتِهِ وَالْخَوْفَ مِنْ عِقَابِهِ، وَلَا فِي تَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ وَتَزْكِيَةِ الْأَنْفُسِ وَتَنْزِيهِهَا عَنِ الشُّرُورِ وَالْمَفَاسِدِ، وَتَشْوِيقِهَا إِلَى الْخَيْرَاتِ وَالْمَصَالِحِ، وَرَفْعِهَا عَنْ سَفَاسِفِ الْأُمُورِ إِلَى مَعَالِيهَا، وَلَا فِي الِاعْتِبَارِ بِآيَاتِ اللهِ فِي الْآفَاقِ، وَسُنَنِهِ فِي سَيْرِ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ وَطَبَائِعِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ضُرُوبِ الْهِدَايَةِ الَّتِي امْتَازَ بِهَا عَلَى سَائِرِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ، فَكَيْفَ تُغْنِي عَنْهُ فِيهَا الْمُصَنَّفَاتُ الْبَشَرِيَّةُ؟ !
أَمَا - وَسِرِّ الْقُرْآنِ - لَوْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ اسْتَقَامُوا عَلَى تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَالِاهْتِدَاءِ بِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، لَمَا فَسَدَتْ أَخْلَاقُهُمْ وَآدَابُهُمْ، وَلَمَا ظَلَمَ وَاسْتَبَدَّ حُكَّامُهُمْ، وَلَمَا زَالَ مُلْكُهُمْ وَسُلْطَانُهُمْ، وَلَمَا صَارُوا عَالَةً فِي مَعَايِشِهِمْ وَأَسْبَابِهَا عَلَى سِوَاهُمْ.
هَذَا التَّدَبُّرُ وَالتَّذَكُّرُ الَّذِي نُطَالِبُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ آنًا بَعْدَ آنٍ - كَمَا هِيَ سُنَّةُ الْقُرْآنِ - لَا يَمْنَعُ أَنْ يَخْتَصَّ أُولُو الْأَمْرِ مِنْهُمْ بِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ فِي السِّيَاسَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْإِدَارَةِ الْعَامَّةِ، وَأَنْ يَتْبَعَهُمْ سَائِرُ الْأُمَّةِ فِيهَا، فَإِنَّ اللهَ - سُبْحَانَهُ - بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَ عَلَى أُولَئِكَ الْفَرِيقِ مِنَ النَّاسِ تَرْكَ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ أَيْضًا إِذَاعَتَهُمْ بِالْأُمُورِ الْعَامَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَمْنِ وَالْخَوْفِ، وَهَدَاهُمْ إِلَى رَدِّهَا إِلَى أُولِي الْأَمْرِ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ بِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ، وَأَقْدَرُ عَلَى اسْتِنْبَاطِ مَا يَجِبُ أَنْ يُتَّبَعَ فَقَالَ:

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 241
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست