responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 212
وَالظُّلْمِ وَالشَّرِّ، فَلَوْ تَرَكَ الْمُؤْمِنُونَ الْقِتَالَ - وَالْكَافِرُونَ لَا يَتْرُكُونَهُ - لَغَلَبَ الطَّاغُوتُ وَعَمَّ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ (2: 251) ، فَغَلَبَتِ الْوَثَنِيَّةُ الْمُفْسِدَةُ لِلْعُقُولِ وَالْأَخْلَاقِ، وَعَمَّ الظُّلْمُ بِعُمُومِ الِاسْتِبْدَادِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ فَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَوْلِيَاءُ الرَّحْمَنِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا لِأَنَّهُ يُزَيِّنُ لِأَصْحَابِهِ الْبَاطِلَ وَالظُّلْمَ وَالشَّرَّ، وَإِهْلَاكَ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ، فَيُوهِمُهُمْ بِوَسْوَسَتِهِ أَنَّهَا خَيْرٌ لَهُمْ، وَفِيهَا عِزُّهُمْ وَشَرَفُهُمْ، وَهَذَا هُوَ الْكَيْدُ وَالْخِدَاعُ، وَمِنْ سُنَنِ اللهِ فِي تَعَارُضِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، أَنَّ الْحَقَّ يَعْلُو وَالْبَاطِلَ يَسْفُلُ، وَفِي مُصَارَعَةِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ بَقَاءُ الْأَصْلَحِ، وَرُجْحَانُ الْأَمْثَلِ، فَالَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ يَطْلُبُونَ شَيْئًا ثَابِتًا صَالِحًا تَقْتَضِيهِ طَبِيعَةُ الْعُمْرَانِ فَسُنَنُ الْوُجُودِ مُؤَيِّدَةٌ لَهُمْ، وَالَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ يَطْلُبُونَ الِانْتِقَامَ وَالِاسْتِعْلَاءَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَتَسْخِيرَ النَّاسِ لِشَهَوَاتِهِمْ وَلَذَّاتِهِمْ وَهِيَ أُمُورٌ تَأْبَاهَا فِطْرَةُ الْبَشَرِ السَّلِيمَةِ، وَسُنَنُ الْعُمْرَانِ الْقَوِيمَةِ، فَلَا قُوَّةَ وَلَا بَقَاءَ لَهَا، إِلَّا بِتَرْكِهَا وَشَأْنَهَا، وَإِرْخَاءِ الْعِنَانِ لِأَهْلِهَا، وَإِنَّمَا بَقَاءُ الْبَاطِلِ
فِي نَوْمَةِ الْحَقِّ عَنْهُ، وَثَمَّ مَعْنًى آخَرُ، قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: هَذِهِ الْآيَةُ جَوَابٌ عَمَّا عَسَاهُ يَطُوفُ بِخَوَاطِرِ أُولَئِكَ الضُّعَفَاءِ، وَهُوَ أَنَّنَا لَا نُقَاتِلُ لِأَنَّنَا ضُعَفَاءُ وَالْأَعْدَاءُ أَكْثَرُ مِنَّا عَدَدًا، وَأَقْوَى مِنَّا عُدَدًا، فَدَلَّهُمُ اللهُ - تَعَالَى - عَلَى قُوَّةِ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي لَا تُعَادِلُهَا قُوَّةٌ، وَضَعْفِ الْأَعْدَاءِ الَّذِي لَا يُفِيدُهُ مَعَهُ كَيَدٌ وَلَا حِيلَةٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَهُوَ تَأْيِيدُ الْحَقِّ الَّذِي يُوقِنُ بِهِ صَاحِبُهُ، وَصَاحِبُ الْيَقِينِ وَالْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ الْفَاضِلَةِ تَتَوَجَّهُ نَفْسُهُ بِكُلِّ قُوَاهَا إِلَى إِتْمَامِ الِاسْتِعْدَادِ، وَيَكُونُ أَجْدَرَ بِالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ، وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْقُوَّةِ مَا لَيْسَ فِي كَثْرَةِ الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ.
أَقُولُ: وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْعِبْرَةِ أَنَّ الْقِتَالَ الدِّينِيَّ أَشْرَفُ مِنَ الْقِتَالِ الْمَدَنِيِّ لِأَنَّ الْقِتَالَ الدِّينِيَّ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ يُقْصَدُ بِهِ الْحَقَّ وَالْعَدْلَ وَحُرِّيَّةَ الدِّينِ، وَهِيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ (8: 39) ، أَيْ حَتَّى لَا يُفْتَنَ أَحَدٌ عَنْ دِينِهِ وَيُكْرَهُ عَلَى تَرْكِهِ، لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (2: 256) ، وَقَالَ فِي وَصْفِ مَنْ أُذِنَ لَهُمْ بِالْقِتَالِ بَعْدَ مَا بَيَّنَ إِلْجَاءَ الضَّرُورَةِ إِلَيْهِ: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ (22: 41) ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَأَمَّا الْقِتَالُ الْمَدَنِيُّ فَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِهِ الْمُلْكَ وَالْعَظْمَةَ، وَتَحَكُّمَ الْغَالِبِ الْقَوِيِّ فِي الْمَغْلُوبِ الضَّعِيفِ، وَإِنَّمَا يَذُمُّ أَهْلُ الْمَدَنِيَّةِ الْحَرْبَ الدِّينِيَّةَ ; لِأَنَّهُمْ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ فِي الْحُرُوبِ الْمَدَنِيَّةِ، وَلَهُمْ طَمَعٌ فِي بِلَادٍ لَيْسَ لَهَا مِثْلُ تِلْكَ الْقُوَّةِ، وَإِنَّمَا لَهَا بَقِيَّةٌ مِنْ قُوَّةِ الْعَقِيدَةِ، فَهُمْ يُرِيدُونَ الْقَضَاءَ عَلَى هَذِهِ الْبَقِيَّةِ وَيَتَّهِمُونَهَا بَاطِلًا بِهَذِهِ التُّهْمَةِ.
وَمِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ وَسَائِرَ مَا وَرَدَ فِي الْقِتَالِ فِي السُّوَرِ الْمُتَعَدِّدَةِ تَدُلُّ - إِذَا عُرِضَتْ عَلَيْهَا أَعْمَالُ الْمُسْلِمِينَ - عَلَى أَنَّ الْحَرْبَ الَّتِي يُوجِبُهَا الدِّينُ وَيَشْتَرِطُ لَهَا الشُّرُوطَ وَيُحَدِّدُ لَهَا الْحُدُودَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 212
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست