responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 208
بِهَذَا الذَّنْبِ، فَإِنَّ الْفَضِيحَةَ وَالْمُؤَاخَذَةَ عَلَى الْمُنْفَرِدِ أَشَدُّ، وَإِذَا كَثُرَ الْمُذْنِبُونَ يَتَعَسَّرُ أَوْ يَتَعَذَّرُ عِقَابُهُمْ، وَلِأَجْلِ هَذَا تَتَأَلَّفُ الْعِصَابَاتُ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِلْأَعْمَالِ الَّتِي يُعَاقَبُ عَلَيْهَا الْحُكَّامُ، وَلَفْظُ التَّبَطُّئِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ يُبْطِئُ غَيْرُهُ بِسَبَبِ إِبْطَائِهِ، فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ غَيْرِهِ.
هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اخْتَارُوا أَنَّ الْمُبْطِئَ هُوَ الْمُنَافِقُ قَدْ أَجَابُوا عَنْ جَعْلِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - لَهُمْ: مِنْكُمْ بِأَنَّهُ مِنْهُمْ بِالزَّعْمِ وَالدَّعْوَى أَوْ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُؤْمِنِينَ وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْاكَمُهُمْ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهُ مِنْهُمْ فِي الْجِنْسِ وَالنَّسَبِ وَالِاخْتِلَاطِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
يَجْزِمُ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ الْإِيمَانَ يُنَافِي مَا ذُكِرَ مِنَ التَّبَطُّئِ عَنِ الْقِتَالِ بِكُلٍّ مِنْ مَعْنَيَيْهِ مَعَ ذَيْنِكَ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَعِنْدَ الظَّفَرِ وَالْغَنِيمَةِ، فَإِنَّ مَنْ يُبْطِئُ وَيَقُولُ ذَلِكَ
لَا يَكُونُ لَهُ هَمٌّ وَلَا عِنَايَةٌ بِأَمْرِ دِينِهِ، وَإِنَّمَا أَكْبَرُ هَمِّهِ شَهَوَاتُهُ وَرِبْحُهُ مِنَ الدِّينِ حَتَّى إِنَّهُ يَعُدُّ مُصِيبَةَ الْمُسْلِمِينَ نِعْمَةً إِذَا لَمْ يُصِبْهُ سَهْمٌ مِنْهَا، فَلْيُحَاسِبِ الْمُسْلِمُونَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْفُسَهُمْ، وَلْيَزِنُوا بِهَذِهِ الْآيَاتِ إِيمَانَهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْقَوْلِ وَمَقُولِهِ، وَذَكَرَ الْمَوَدَّةَ هُنَا نَكِرَةً مَنْفِيَّةً فِي سِيَاقِ التَّشْبِيهِ فِي أَوْجِ الْبَلَاغَةِ الْأَعْلَى فَهِيَ كَلِمَةٌ لَا تُدْرِكُ شَأْوَهَا أُخْرَى وَلَا تَنْتَهِي إِلَى غَوْرِهَا فِي التَّأْثِيرِ، ذَلِكَ بِأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ الْقَوْلِ الَّذِي لَا يَقُولُهُ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ مَوَدَّةٌ مَا مَعْدُودٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ بِنَصِّ كِتَابِ اللهِ إِخْوَةٌ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وَبِنَصِّ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ: تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ كَأَعْضَاءِ الْجِسْمِ الْوَاحِدِ، وَكَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَإِذَا كَانَ هَذَا مَكَانَ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَكَيْفَ يَصْدُرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَذَلِكَ التَّمَنِّي الَّذِي يُشْعِرُ بِأَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَرَى نِعْمَةَ اللهِ وَفَضْلِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ نِعْمَةً وَفَضْلًا عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُعْقَلُ أَنْ يَصْدُرَ عَمَّنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مَوَدَّةٌ مَا وَلَوْ قَلِيلَةً فِي زَمَنٍ مَا وَلَوْ بَعِيدًا، أَعْنِي أَنَّ قَلِيلًا مِنَ الْمَوَدَّةِ كَانَ فِي وَقْتٍ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ التَّمَنِّي، وَفِي هَذَا مِنَ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ بِأَلْطَفِ الْقَوْلِ وَأَرَقِّ الْعِبَارَةِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهِ بُلَغَاءُ الْبَشَرِ، وَمِنْ فَوَائِدِهِ: أَنْ يُؤَثِّرَ فِي نَفْسِ مَنْ يَذُوقُهُ التَّأْثِيرَ الَّذِي لَا يَدْنُو مِنْ مِثْلِهِ النَّبْزُ بِالْأَلْقَابِ وَالطَّعْنُ بِهَجْرِ الْقَوْلِ، التَّأْثِيرَ الَّذِي يَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى التَّأَمُّلِ وَالتَّفَكُّرِ فِي حَقِيقَةِ حَالِهِ، وَمُعَاتَبَةِ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنَ الرَّجَاءِ تَابَ إِلَى رَبِّهِ وَرَجَعَ كُلُّهُ إِلَى حَقِيقَةِ دِينِهِ، هَذِهِ هِيَ فَائِدَةُ تِلْكَ الْجُمْلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ، وَبِاللهِ مَا أَعْجَبَ التَّشْبِيهَ فِيهَا وَنَفْيَ الْكَوْنِ وَتَنْكِيرَ الْمَوَدَّةِ إِنَّكَ إِنْ تُعْطِ ذَلِكَ حَقَّهُ مِنَ التَّأَمُّلِ، وَيُؤْتِكَ ذَوْقُ الْكَلَامِ قِسْطَهُ مِنَ الْبَلَاغَةِ، فَقَدِ أُوتِيتَ آيَةً مِنْ آيَاتِ الْفَرْقِ بَيْنَ كَلَامِ الْخَالِقِ وَكَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ، وَكَشَفَ لَكَ عَنْ سِرٍّ مِنْ أَسْرَارِ عَجْزِ الْبَشَرِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبِينِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 208
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست