responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 116
ارْعَنَا نَرْعَكَ، كَمَا هُوَ مَعْنَى الْمُشَارَكَةِ، كَمَا نُهُوا أَنْ يَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ (قَالَ) : وَهُنَاكَ وَجْهٌ آخَرُ، يُقَالُ فِي اللُّغَةِ: رَاعَى الْحِمَارُ الْحُمُرَ، إِذَا رَاعَى مَعَهَا، فَكَانَ الْيَهُودُ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ فِيهَا سَبٌّ لِأَنْفُسِهِمْ عَلَى حَدِّ: " اقْتُلُونِي وَمَالِكًا "، وَمِنْ تَحْرِيفِ الْكَلَامِ وَلَيِّهِ فِي خِطَابِهِمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّحِيَّةِ " السَّامُ عَلَيْكُمْ " يُوهِمُونَ بِفَتْلِ اللِّسَانِ وَجَمْجَمَتِهِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا فِي الصَّحِيحِ، وَأَنَّهُ كَانَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ بَعْدَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ يُجِيبُهُمْ بِقَوْلِهِ: " وَعَلَيْكُمْ " أَيْ كُلُّ أَحَدٍ يَمُوتُ.
وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ، أَيْ: لَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا: سَمِعْنَا قَوْلَكَ وَأَطَعْنَا أَمْرَكَ، وَاسْمَعْ مَا نَقُولُ وَانْظُرْنَا أَيْ: أَمْهِلْنَا وَانْتَظِرْنَا وَلَا تَعْجَلْ عَلَيْنَا، يُقَالُ: نَظَرُهُ بِمَعْنَى انْتَظَرَهُ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ أَوِ انْظُرْ إِلَيْنَا نَظَرَ رِعَايَةٍ وَرِفْقٍ: لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ أَقْوَمَ، مِمَّا قَالُوهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْأَدَبِ وَالْفَائِدَةِ وَحُسْنِ الْعَاقِبَةِ.
وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ، أَيْ: خَذَلَهُمْ وَأَبْعَدَهُمْ عَنِ الصَّوَابِ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ، أَيْ: مَضَتْ سُنَّتُهُ فِي طِبَاعِ الْبَشَرِ وَأَخْلَاقِهِمْ أَنْ يَمْنَعَ الْكُفْرُ صَاحِبَهُ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الرَّوِيَّةِ وَالْأَدَبِ، وَيَجْعَلَهُ طَرِيدًا لَا يُدْلِي إِلَى الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ بِحَبْلٍ وَلَا سَبَبٍ: فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الْإِيمَانِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، إِذْ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ صَاحِبِهِ وَلَا يُزَكِّي نَفْسَهُ وَلَا يَرْقَى عَقْلُهُ، وَلَوْ كَانَ إِيمَانُهُمْ بِكِتَابِهِمْ وَنَبِيِّهِمْ كَامِلًا لَكَانَ خَيْرَ هَادٍ لَهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِمَنْ جَاءَ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ يُبَيِّنُ مَا نَسُوا مِنْهُ وَمَا حَرَّفُوا فِيهِ، ثُمَّ إِنَّهُ جَاءَ بِإِصْلَاحٍ جَدِيدٍ فِي إِتْمَامِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَنِظَامِ الِاجْتِمَاعِ وَسَائِرِ مَقَاصِدِ الدِّينِ، فَمَنْ كَانَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ، وَجَاءَهُ زِيَادَةٌ فِيهِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَغْبُوطًا بِهَا حَرِيصًا عَلَى الِاسْتِفَادَةِ مِنْهَا ـ أَوْ لَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ كَعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ مَهْمَا فَسَدَتْ لَا يَعُمُّ الْفَسَادُ جَمِيعَ أَفْرَادِهَا، بَلْ تَغْلِبُ سَلَامَةُ الْفِطْرَةِ عَلَى أُنَاسٍ يَكُونُونَ هُمُ السَّابِقِينَ إِلَى كُلِّ إِصْلَاحٍ جَدِيدٍ، هَكَذَا كَانَ، وَهَكَذَا يَكُونُ فَهِيَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ اللهِ فِي الِاجْتِمَاعِ، وَقَدْ نَبَّهْنَا مِنْ قَبْلُ عَلَى دِقَّةِ الْقُرْآنِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْأُمَمِ إِذْ يَحْكُمُ عَلَى الْأَكْثَرِ، فَإِذَا عَمَّمَ الْحُكْمَ يَسْتَثْنِي وَهِيَ دِقَّةٌ لَمْ تُعْهَدْ فِي كَلَامِ الْبَشَرِ.
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 116
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست